[349/ 38] وَ عَنْ قُتَيْبَةَ بْنِ الْجَهْمِ، قَالَ: لَمَّا دَخَلَ عَلِيٌّ ع إِلَى بِلَادِ صِفِّينَ نَزَلَ بِقَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا: صَنْدَوْدَاءُ[1] فَعَبَرَ عَنْهَا، وَ عَرَّسَ[2] بِنَا فِي أَرْضٍ بَلْقَعٍ[3]، فَقَالَ لَهُ مَالِكُ بْنُ الْحَارِثِ الْأَشْتَرُ: نَزَلْتَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ! فَقَالَ ع: «إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَسْقِينَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَاءً أَصْفَى مِنَ الْيَاقُوتِ وَ أَبْرَدَ مِنَ الثَّلْجِ» فَتَعَجَّبْنَا وَ لَا عَجَبَ مِنْ قَوْلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع، فَوَقَفَ عَلَى أَرْضٍ، فَقَالَ: «يَا مَالِكُ احْتَفِرْ أَنْتَ وَ أَصْحَابُكَ» فَاحْتَفَرْنَا فَإِذَا نَحْنُ بِصَخْرَةٍ سَوْدَاءَ عَظِيمَةٍ فِيهَا حَلْقَةٌ تَبْرُقُ كَاللُّجَيْنِ[4]، فَلَمْ نَسْتَطِعْ أَنْ نُزِيلَهَا.
فَقَالَ عَلِيٌّ ع: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ أَنْ تَمُدَّنِي بِحُسْنِ الْمَعُونَةِ» وَ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ حَسِبْنَاهُ سُرْيَانِيّاً، ثُمَّ أَخَذَهَا فَرَمَى بِهَا، فَظَهَرَ لَنَا مَاءٌ عَذْبٌ، فَشَرِبْنَا مِنْهُ، وَ سَقَيْنَا دَوَابَّنَا، ثُمَّ رَدَّ الصَّخْرَةَ عَلَيْهِ، وَ أَمَرَنَا أَنْ نَحْثُوَ عَلَيْهَا التُّرَابَ.
فَلَمَّا سِرْنَا غَيْرَ بَعِيدٍ، قَالَ ع: «مَنْ يَعْرِفُ مِنْكُمْ مَوْضِعَ الْعَيْنِ؟» قُلْنَا كُلُّنَا نَعْرِفُ، فَرَجَعْنَا فَخَفِيَ عَلَيْنَا أَشَدَّ خَفَاءٍ، فَإِذَا نَحْنُ بِصَوْمَعَةِ رَاهِبٍ، فَدَنَوْنَا مِنْهَا وَ مِنْهُ، فَقُلْنَا: هَلْ عِنْدَكَ مَاءٌ؟ فَسَقَانَا مَاءً مُرّاً جَشِباً[5]، فَقُلْنَا لَهُ: لَوْ شَرِبْتَ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي سَقَانَا مِنْهُ صَاحِبُنَا مِنْ عَيْنٍ هَاهُنَا، قَالَ: صَاحِبُكُمْ نَبِيٌّ؟ قُلْنَا: وَصِيُّ نَبِيٍّ، فَانْطَلَقَ مَعَنَا
[1] صندوداء: قرية كانت في غربيّ الفرات فوق الأنبار، خربت، و بها مشهد لعليّ بن أبي طالب ع. مراصد الاطّلاع 2: 853.
[2] عرس: التّعريس: نزول القوم في السّفر من آخر اللّيل للاستراحة ثمّ يرتحلون. الصّحاح 3:
948- عرس.
[3] بلقع: الأرض القفر الّتي لا شيء بها. الصّحاح 3: 1188- بلقع.
[4] اللّجين: الفضّة، جاء مصغّرا كالثريا. الصّحاح 6: 2193- لجن.
[5] الجشب: الغليظ. القاموس المحيط 1: 46- جشب.