نام کتاب : لمحات الأصول نویسنده : بروجردى، حسين جلد : 1 صفحه : 463
الشارع، و معلوم أنّ الأمارات عند العقلاء ليست إلّا طريقاً إلى الواقع، و كاشفات عنه- فقبح إيجاب العمل بالأمارات و التعبّد بها، إنّما هو فيما إذا فوّتت الأمارة المصلحة، أو أوقعت في المفسدة.
و أمّا مع جهل المكلّف بالأحكام الواقعيّة؛ بحيث لو تركه الشارع على جهله يرى وقوعه في خلاف الواقع كثيراً، و يرى أنّ في جعل الأمارة على الواقع إيصالًا له إليه، أكثر ممّا لو تركه على حاله، فلا قبح فيه، و تخلّف الأمارة عن الواقع إذا كان قليلًا- في مقابل الإصابة، و في مقابل جعل الأمارة- شرّ قليل، في قبال الخير الكثير، و لا يترك الخير الكثير لأجل الشرّ القليل.
مع أنّ وقوعه في الخلاف أيضاً، من تبعات جهله، لا من تبعات التعبّد بالأمارة، و عدم القبح في هذه الصورة إنّما هو بحسب تشخيص الشارع كثرة الإصابة و قلّة المخالفة.
و لو فرض أنّ المكلّف يرى انفتاح باب علمه إلى الواقع، و توهَّم أنّ التعبّد بالأمارة موجب لصرفه عن علمه بالواقع، و رأى الشارع أنّه جاهلٌ مركّب، فلا يكون تعبّده بالأمارة قبيحاً.
نعم، لو فرض انفتاح باب العلم حقيقة، و أنّ التعبّد بالأمارات موجبٌ لتفويت المصلحة، و الإيقاع في المفسدة، يكون التعبّد بها قبيحاً (146) [1]، لكنّه فرضٌ
[1]. 146- إنّ في إيجاب تحصيل العلم التفصيلي في زمان الحضور، و في إيجاب الاحتياط في زمن الغيبة أو الحضور مع عدم إمكان الوصول إليه عليه السلام مفسدة غالبة.
توضيحه: أمّا في زمان الانفتاح؛ فلأنّ السؤال عن الأئمّة عليهم السلام و إن كان أمراً ممكناً غير معسور، إلّا أنّ إلزام الناس في ذلك الزمان على العمل بالعلم كان يوجب ازدحام الشيعة على بابهم، و تجمّعهم حول دارهم، و كان التجمّع حول الإمام أبغض شيء عند الخلفاء، و كان موجباً للقتل و الهدم و غيرهما.
فلو فرض وجوب العلم التفصيلي في زمن الصادقين عليهم السلام، كان ذلك موجباً لتجمّع الناس حول دارهم و ديارهم، بين سائل و كاتب، و قارئ و مستفسر، و كان نتيجة ذلك تسلّط الخلفاء على الشيعة و ردعهم، و قطع اصولهم عن أديم الأرض، و عدم وصول شيء من الأحكام الشرعية موجودة بأيدينا. فدار الأمر بين العمل بالأخبار الواردة عنهم عليهم السلام بطريق الثقات الموصلة إلى الواقع غالباً و إن خالفت أحياناً، و بين إيجاب العلم حتّى يصل بعض الشيعة إلى الواقع و يحرم آلاف من الناس عن الأحكام و الفروع العملية؛ لما عرفت أنّ الإلزام على تحصيل العلم كان ذلك مستلزماً للتجمّع على باب الأئمّة، و كان نتيجة ذلك صدور الحكم من الخلفاء بأخذهم و شدّهم، و ضربهم و قتلهم، و اضطهادهم تحت كلّ حجر و مدر.
و أمّا الاحتياط في هذه الأزمان أو زمن الحضور- لمن لم يمكن له الوصول إليهم عليهم السلام- ففساده أظهر من أن يخفى؛ فإنّه مستلزم للحرج الشديد و اختلال النظام و رغبة الناس عن الدين الحنيف، بل موجب للخروج من الدين، فإنّ الحكيم الشارع لا بدّ له ملاحظة طاقة الناس و استعدادهم في تحمّل الأحكام و العمل بها، و مثله التبعيض في الاحتياط؛ فإنّه لو لم يوجب حرجاً شديداً، لكنّه موجب رغبة جمهرة الناس عن الدين.
و بالجملة: البناء على الاحتياط المطلق، أو بمقدار ميسور في جميع التكاليف من العبادات و المعاملات و المناكحات و غيرها، يستلزم الحرج الشديد في بعض الأحوال، و رغبة الناس عن الدين، و قلّة العاملين من العباد للأحكام في بعض آخر، فلأجل هذا كلّه امضي عمل العقلاء و بناؤهم في العمل بالظنون، و أخبار الآحاد بمقدار يؤسّس لهم نظاماً صحيحاً، و هذا و إن استلزم فساداً و تفويتاً، غير أنّه في مقابل إعراض الناس عنه و خروجهم منه و قلّة المتدينين به، لا يعدّ إلّا شيئاً طفيفاً يستهان به. (تهذيب الاصول 2: 133- 134).
نام کتاب : لمحات الأصول نویسنده : بروجردى، حسين جلد : 1 صفحه : 463