ثالثها: مقام القضاء و الحكومة الشرعية، و ذلك عند تنازع الناس في حقّ أو مال، فإذا رفع الأمر إليه و قضى بميزان القضاء يكون حكمه نافذاً لا يجوز التخلّف عنه، لا بما أنّه رئيس و سلطان، بل بما أنّه قاضٍ و حاكم شرعي، و قد يجعل السلطانُ الإمارة لشخص، فينصبه لها، و القضاء لآخر، فيجب على الناس إطاعة الأمير في إمارته، لا في قضائه، و إطاعة القاضي في قضائه، لا في أوامره، و قد يجعل كلا المقامين لشخص أو لأشخاص.
و بالجملة: إنّ لرسول اللَّه- مضافاً إلى المقامين الأوّلين- مقام فصل الخصومة و القضاء بين الناس. قال تعالى: (فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[262].
الثانية: كلّ ما ورد من رسول اللَّه و أمير المؤمنين بلفظ «قضى» أو «حكم» أو «أمر» و أمثالها ليس المراد منه بيان الحكم الشرعي، و لو أُريد منه ذلك لا يكون إلّا مجازاً أو إرشاداً إلى حكم اللَّه، فإنّ الظاهر من تلك الألفاظ: هو أنّه قضى أو أمر أو حكم من حيث إنّه سلطان و أمير، أو من حيث إنّه قاضٍ و حاكم شرعي، لا من حيث إنّه مبلِّغ للحرام و الحلال؛ لما عرفت [من] أنّ الأحكام