الله هو من عنده، فإنك في الأصل لم تفعل شيئاً، لأن ما هو منه ذهب في سبيله. فلو قدّر لنا أن ندرك هذه القيمة والحقيقة الإنسانية وهذه القيمة الإلهية، فعلينا أن لا نتأثر ولا نحزن فيما لو وضعنا الآخرون في مضيقة اقتصادية، فإن هذه المضيقة الاقتصادية وكل ما يفعلوه، هي من هذه الحياة الدنيا، حتى لو شنّوا علينا حرباً عسكرية سواءً هم بأنفسهم، أم بشكل غير مباشر عن طريق عملائهم. فعلينا أن لا ننزعج أو نتأذى من ذلك، ولماذا ننزعج أصلًا؟ فنحن مكلفون من قبل الله تبارك وتعالى، وقد أغدق علينا من عطاياه ونعمه الكثير، وذلك الذي أعطانا إياه، لابد لنا أن نصرفه في سبيله.
ألا بذكر الله تطمئن القلوب
إن النصر الحقيقي هو في أن ينفق الإنسان ما أعطاه الله في سبيله. وإن النصر والفلاح هما نصيب المسلم والمؤمن الذي يعمل وفق تكليفه الشرعي وحسب ما تمليه عليه فطرته الإنسانية، حتى وإن نُبذ أو أوذي في مجتمعه جرّاء ذلك.
فالانسان كلما تمادى في تصرفاته وسلوكياته اللاإنسانية، كلما إنغمس في حيوانيته، وازداد في شراسته، فهو كائنٌ أعجوبة، غير متناهي في كلا الاتجاهين. فهو لانهائي في جانب السعادة، ولا نهائي في جانب الشقاوة، فلا بد لنا من ميزان فاصل، يفصل ما بين الإنسان والحيوان، وما بين الإنسان والشيطان، حتى يتسنى لنا معرفة مواطن انتصاره وفلاحه من مواطن إنهزامه وخسرانه. فهذه القوى الكبرى، والتي نسميها نحن بالقوى الكبرى، تحشد جميع قواها وقدراتها، وتسخرها في سبيل تحقيق أهدافها ومآربها الحيوانية والشيطانية، فلو كانت المسألة مسألة وقوفها عند ذلك الحد الذي تحقق فيه طموحاتها، فلما نجدها تزداد نهماً ورغبة في السيطرة، كلما إزدادت مساحة البلاد الخاضعة لسيطرتها؟! ولكن المسألة أن الإنسان لانهائي حتى في هذا الجانب. ولو قدر له الاستيلاء على العالم بأسره، لفكر بغزو الكواكب الأخرى. فليس ثمة شيء يمكنه أن يملأ قلب الإنسان إطمئناناً وغنىً سوى ذكر الله (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) [1]. فالموجودات الإلهية إنما تستمد إطمئنانها من لجوئها إلى الباري تعالى. وأمّا أولئك الطواغيت فيعيشون في فراغ دائم وبلا ملجأ. ولهذا فإنهم مهما ظلموا واستبدوا، ومهما استولوا وفتحوا من البلدان، وتزودوا من هذه الدنيا، فلن يقنعوا ولن يرتووا وسيسعون للاستيلاء على بلدان أخرى. ولا تظنوا أن