و نشأبها، ثمّ انتقل إلى الموصل، و اتّصل بخدمة الأمير مجاهد الدّين قايماز بن عبد اللّه بن الخادم الزّينى المقدّم ذكره في حرف القاف، و كان نائب المملكة؛ فكتب بين يديه منشأ إلى أن قبض عليه كما تقدّم ذكره، فاتّصل بخدمة عزّ الدّين مسعود بن مودود صاحب الموصل، و تولّى ديوان رسائله، و كتب له إلى أن توفّى، ثمّ اتّصل بولده نور الدين أرسلان شاه، فخطى عنده، و كتب له مدّة، ثمّ عرض له مرض كفّ يديه و رجليه فمنعه من الكتابة مطلقا، و أقام في داره يغشاه الأكابر و العلماء و أنشأ رباطا بقرية من قرى الموصل تسمّى قصر حرب، و وقف أملاكه عليها و على داره الّتي كان يسكنها في الموصل و بلغنى انّه صنّف هذه الكتب كلها ايّام تعطيله، فانّه تفرّغ لها، و كان عنده جماعة يعينونه عليها فى الاختيار و الكتابة، و له شعر يسير فمن ذلك ما انشده للأتابك صاحب الموصل و قد زلّت به بغلته:
إن زلّت البغلة من تحته
فانّ فى زلّتها عذرا
حمّله من علمه شاهقا
و من ندى راحته بحرا
و حكى أخوه عزّ الدّين أبو الحسن على انّه لمّا أقعد جاءهم رجل مغربىّ، و التزم انّه يداويه و يبرئه، ممّا هو فيه، و انّه لا يأخذ اجرا إلّا بعد برئه، قال فملنا إلى قوله، و أخذ فى معالجته بدهن صنعه؛ فظهرت ثمرة صنعته، و لانت رجلاه، و صار يتمكّن من مدّهما، و أشرف على كمال البرء؛ فقال لي: اعط هذا المغربّى شيئا يرضيه و اصرفه، فقلت له لماذا و قد ظهر نجح معافاته؛ فقال الأمر كما تقول، و لكنّى فى راحة ممّا كنت فيه من صحبة هؤلاء القوم و الألتزام بأخطارهم، و قد سكنت روحى الي الإنقطاع و الدّعة، و قد كنت بالأمس و أنا معا فى أذلّ نفسى بالسّعى إليهم، و ها أنا اليوم قاعد فى منزلي، فاذا طرئت لهم أمور ضروريّة جاؤنى بأنفسهم لأخذ رأيى؛ و بين هذا و ذاك كثير، و لم يكن سبب هذا إلّا هذا المرض، فما أرى زواله و لا معالجته، و لم يبق من العمر إلّا القليل، فدعنى أعيش باقيه حرا سليما من الذلّ، فقد أخذت منه أوفر حظّ، قال عزّ الدّين فقبلت قوله و صرفت الرجل باحسان.