مط - و من تلك العيون المسعدة الكلام فى سعادة النفس
. و قد اوجز و اجزل الفارابى فى تعريفها فى المدينة الفاضلة بقوله : السعادة هى
أن
تصير نفس الانسان من الكمال فى الوجود الى حيث لا تحتاج فى قوامها الى مادة ,
و ذلك أن تصير فى جملة الاشياء البريئة عن الاجسام و فى جملة الجواهر المفارقة
للمواد , و أن تبقى على تلك الحال دائما أبدا [1] .
اقول : ينبغى أن يكون المراد من المادة المادة الطبيعية و إلا فللانسان ابدان
طويلة كان التفاوت بينها بالكمال و النقص و اذا صارت النفس من جملة
المفارقات كانت فى افعالها ايضا لا تحتاج الى المادة كما صارت فى قوامها
كذلك . فحينئذ يصدر عنها آثار غريبة بدون إحساس عضو من أعضائه بشى ء كما ان
الملكويتين لهم ذلك الاقتدار فتدبر فى كلام الله سبحانه فى الاتيان بعرش بلقيس
عند سليمان - عليه السلام - :
( قال الذى عنده علم من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك)
[2] .
و كذا
فى كلام الوصى سلام الله عليه و صلواته فى ما كتب الى سهل بن حنيف( : و الله
ما قلعت باب خيبر و قذفت به أربعين ذراعا لم تحس به أعضائى بقوة جسدية و لا
حركة غذائية و لكن أيدت بقوة ملكوتية و نفس بنور ربها مضيئة)
( مستضيئة - خ ل ) . رواه الشيخ الأجل عماد الدين الطبرى فى كتابه بشارة
المصطفى لشيعة المرتضى مسندا [3] .
و قد عرفوا النفس القوية بانها هى الوافية بصدور الافعال العظيمة منها و
الشديدة فى ابواب كثيرة , و مثلوا بأنا نشاهد نفوسا ضعيفة يشغلها فعل عن فعل
فاذا انتصبت الى