لج - و من تلك العيون الناشئة أن صور الأشياء المادية عند النفس أهى على
وجه الانتزاع , أو الانشاء ؟
ذهب المشاء إلى أن للنفس صفة عزرائيلية تنتزع صور الأشياء المادية نزعا , و
تجردها عن قشورها المادية تجريدا ذا مراتب , كما أن لها بالنسبة إلى إحياء
النفوس من بنى نوعها بالمعارف الالهية و هى ماء الحيوة , صفة إسرافيلية و
جبرائيلية .
و الحكمة المتعالية حاكمة بأن تحقق الصور عندها على انشاء النفس إياها , لا
على انتزاعها عنها .
و المقام يقتضى بيان مراتب التجريد على مذهب المشاء , ثم نتبعه بما يجب
الاتيان بها . فنقول : نأتى فى بيان مراتب التجريد بتحرير الشيخ الرئيس من
كتابه فى المبدء و المعاد أولا , ثم بتحرير المحقق الطوسى من شرحه على إشارات
الشيخ ثانيا فانهما يكفيان فى بيان المراد .
قال الشيخ فى الفصل الثامن من المقالة الثالثة من المبدء و المعاد ما هذا لفظه
( : فصل فى مراتب تجريدات الصور عن المادة) . و نقول : إن كل إدراك حسى و
تخيلى و وهمى و عقلى فهو بتجريد الصورة عن المادة و لكن على مراتب :
فالحس يجرد الصورة عن المادة لأنه ما لم يحدث فى الحاس أثر من المحسوسات
فالحاس عند كونه حاسا بالفعل و كونه حاسا بالقوة على مرتبة واحدة . و يجب إذا
حدث فيه اثر من المحسوس أن يكون مناسبا للمحسوس , لأنه إن كان غير مناسب
لماهيته لم يكن حصوله إحساسه به , فيجب لا محالة أن تكون صورته متجردة عن مادته
. و لكن الحس لا يجرد هذه تجريدا تاما , لكن يأخذها مع علائق المادة و باضافة إلى
المادة , حتى إذا غابت المادة بطلت تلك الصورة .
و أما الخيال فيأخذ الصورة تجريدا أكثر , و ذلك لأن تلك الصورة تكون فيه و
لا مادتها ,