هذه الحيثية بين تلك الثلاث أى اللمس و الذوق و الشم , و بين هاتين أى السمع و
البصر .
قلت : لا مشاحة فى ذلك , و انما الكلام فى ان اللمس الذى من فروع النفس
إنما
هو مدرك فى موطنه و انما يلتذ او يتألم من ملموسه فى موطنه و منغمره من حيث
إنه ملموسه . و كذا الذوق و الشم بخلاف البصر و السمع فانهما لا يلتذان و لا
يتألمان من مدركاتهما من حيث إنها مبصرة او مسموعة و إنما ذلك الالتذاذ و التألم
للنفس من داخل لا فى موطنها فان أصابتها لذة او ألم فانما تلك الاصابة من حيث
اللمس السارى فيهما كسائر اللوامس .
و بالجملة اللمس منغمر فى الطبيعة و ان كان فى الرتبة فوقها أى أن الطبيعة
اذا صوعدت صارت لمسا , و اللمس اذا صوعد صار ذوقا , و هكذا الذوق إذا صوعد
صار شما , و الشم سمعا , و السمع بصرا , و البصر خيالا , و الخيال عقلا . و ان
للنفس فى كل واحدة منها حكما بحسبها , و لكل واحدة منها بحسب انغمارها فى
الطبيعة , و انقهارها عليها حكما آخر وان كان حكمها حكمها , فافهم .
و ان شئت راجع فى ذلك إلى قول الشيخ فى ثالث ثانية نفس الشفاء حيث قال :
( و يفارق اللمس فى هذا المعنى سائر الحواس) الخ [1] فان ما حررناه
تعليقة عليه .
و للمتأله الشيرازى فى المقام كلام رفيع فى الاشراق السادس من الشاهد الأول من
المشهد الثالث من الشواهد الربوبية [2] . و بذلك الكلام يعلم وجه تفوق السمع
و البصر و استعلائهما على الطبيعة قال :
حكمة عرشية :
: و مما ذكره الشيخ فى القانون أن هاتين القوتين - يعنى بهما السمع و البصر - لا
لذة لهما فى محسوسيهما و لا ألم بخلاف البواقى فعجزت عن دركه شراح القانون , و
اعترضوا عليه و طال الكلام بينهم جرحا و تعديلا و لم يأتوا عن آخرهم بشى ء يطمئن به
القلب .
و فيما قسم لنا من الملكوت ان الحيوان بما هو حيوان تتقوم مادة حيوته من
الكيفيات الملموسة و هذه اولى مرتبة الحيوانية التى لا يخلو منها حيوان كما
لا يخلو حيوان من قوة