ان قلت : اسناد هذه الادراكات و الأفاعيل إلى النفس من جهة أن هذه صفات
قواه و افاعليها .
قلت : القطع حاصل بأنه لا مجاز فى هذا الاسناد , و لو كان الأمر كما قلتم كان
الاسناد مجازيا . على أنه ان تأدت الصورة الادراكية مثلا من الالواح إلى النفس
فكانت النفس هى العاقلة المتوهمة المتخيلة الحساسة و هو المطلوب , و ان لم
تتاد اليه فلم نكن مدركين محركين مثلا و هو ينافى القطع المذكور .
ان قلت : فعلى هذا ما الحاجة إلى اثبات القوى ؟ .
قلت : ليس المراد نفى القوى , بل نفى انعزالها و بينونتها عنه فللنفس
مراتب كما قال تعالى :
( خلقكم أطوارا)
, و المرتبة التى تتخيل ليس لها أن تتوهم و قس عليه]( .
أقول : و للفاضل المحشى السيد حسن - رحمه الله - تعليقة انيقة فى المقام على
الوجه الاول لقد أفاد و أجاد , قال( : و لنا بفضل الله و الهامه برهان مشرقى ,
بل عرشى على أن النفس كل القوى و هو أن النفس تستعمل القوى و تستخدمها , و
استعمال الشى ء و استخدامه فرع على الخبرة به لأن رجوع العمل و الخدمة بشى ء بدون
الاطلاع عليه محال , يظهر ذلك من قولهم أن النفس تعلم القوى علما حضوريا و
معلوم أن أحد المتبائنين لا يكون علما للاخر , فثبت أن القوى تفصيل للنفس و شرح
لمقاماته , الر كتاب احكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير
, تأمل نفسك تعرف ربك . و بهذا البيان يتم البرهان المذكور فى المتن أعنى أن
القاضى بين الشيئين لابد و ان يحضرة المقضى عليهما , حيث يقال نهاية ما استخرج
من الدليل انهما حاضران لا انهما داخلان فى حقيقته و متممان لذاته لان الحضور
يقتضى شدة المناسبة و الارتباط التام بحيث يكون ما حضر من صقع من حضر لديه , و
شأنا من شئونه و طورا من اطواره , و قد خلقكم اطوارا , هكذا ينبغى أن يفهم .
ان قلت : حضور المقضى عليهما لا يلزم أن يكون المقضى عليهما مرتبة من مراتب
النفس . قلت : لما لم يتمكن النفس فى مرتبة العاقلة أن يحكم بين الجزئيين
وجب أن يحكم عليهما فى مرتبتهما فافهم) .
د - : النفس لما كانت بسيطة جامعة لجميع شئونها وقواها فهى عالمة من ذاتها
جميعها