الاخرة من مقولة الفعل :
كون اللذات الدنياوية و آلامها انفعالات للنفس ظاهر لا غبار عليه , و انما
ينبغى اعمال حق
النظر فى الأخروية منهما لا تقاس بالدنيوية , فان اللذات الاخروية مثلا
ابتهاجات
للنفس بذاتها و بلوازمها و أفعالها من حيث انها أفعالها , و الفعل و
الأنفعال
مقولتان مختلفتان لا اشتراك لهما فى أمر ذاتى فلا مجانسة بينهما فلا يقاس
احديهما
بالأخرى . و الأمثال الواردة فى القرآن و لسان النبوة , الغرض فيها تنبيه
النفوس العامية عن أحوال الاخرة كما قال تعالى شأنه :
( و تلك الامثال نضربها للناس و ما يعقلها الا العالمون)
[1] . فالامثال للناس و التعقل للعالمين .
سو - عين فى معرفة النفس و العجز عن معرفتها :
قد كثرت كلمات مشايخ أهل المعرفة حول التمكن من معرفة النفس , و العجز عن
معرفتها . قال العلامة البهائى فى الأربعين من الأربعين([ : قد تحير العقلاء فى
حقيقتها , و اعترف كثير منهم بالعجز عن معرفتها , حتى قال بعض الاعلام :
ان قول امير المؤمنين عليه السلام : من عرف نفسه فقد عرف ربه
, معناه انه كما لا يمكن التوصل الى معرفة النفس لا يمكن التوصل الى معرفة
الرب , و قوله عز و علا :
( و يسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربى و ما اوتيتم من العلم الا قليلا)
[2] مما يعضد ذلك , انتهى . و الصواب أن معرفتها صعب , لا أنها غير ممكنة
كما قال صاحب الاسفار( : ان النفس الانسانية ليس لها مقام معلوم فى الهوية ,
و لا لها درجة معينة فى الوجود , بل هى ذات مقامات و درجات , و ما هذا شأنه
صعب ادراك حقيقته و عسر فهم هويته) .
ثم ان المعرفة نظرية فكرية , و شهودية ذوقية , و النظر الفكرى رؤية عن بعد , و
الشهودية الذوقية هو الوجدان و الكشف , و ان معرفة النفس مما لا يمكن الوصول
اليها إلا بمكاشفات باطنة و مشاهدات سرية لا تحصل إلا برياضات و مجاهدات , و
تلك المكاشفات و المشاهدات هى فى الحقيقة تخطى النفس الى عالم المفارقات .
و المعرفة الشهودية حاصلة لنا على قدر سعة جدولنا الوجودى المتصل بالبحر
الوجودى الصمدى . فالعجز عن كنه حقيقتها لا يختص بها , بل هو جار فى معرفة اية
كلمة وجودية لأنها شأن من شئون الوجود