فاذا كان هناك شى ء أعلى من النفس , و يحكمها , فها هنا استحالة , بل هذا اشد
استحالة فيما يختص بالعقل , فمن الصواب التسليم بأن يكون العقل بطبعه اوليا و
حاكما , إلا أنه فى هذا المذهب العناصر هى اول الموجودات .
و مع ذلك فان جميع هؤلاء الفلاسفة سواء من يقول منهم بأن النفس من العناصر ,
بسبب معرفتها للموجودات , و ادراكها لها , أم من يعرف النفس بأنها أولى ما
يحرك , لا يتحدث أى فريق منهم عن جميع أنواع النفس . ذلك أن جميع الكائنات
التى تحس لا تتحرك , إذ يظهر فى الواقع , ان بعض الحيوانات , تظل ساكنة فى
المكان . و مع ذلك يبدو أن هذه الحركة , هى الوحيدة التى يمكن للنفس أن تحرك
بها الحيوان . و الأمر كذلك بالنسبة للفلاسفة الذى يجعلون العقل , و قوة الحس
ابتداء من العناصر , اذ يبدو هناك ايضا أن النبات يعيش دون مشاركة فى النقلة
, او الاحساس , و أن عددا كبيرا من الحيوان لا يوجد عنده التفكير . و حتى لو
سلمنا بهذه الأمور , و وضعنا العقل كالحال فى قوة الحس , جزءا من النفس ,
بفرض انه كذلك , فان المذهب لا ينطبق على كل نفس باطلاق , و لا على نفس واحدة
بأكملها .
المذهب الأورفى :
أما المذهب الموجود فى الأشعار المسماة بالأورفية , فانه عرضة لنفس الاعتراض
: فالنفس كما يقولون , تنفذ من العالم الخارجى إلى الكائنات , عند تنفسها , و
تحملها أجنحة الرياح , إلا انه يستحيل أن يحدث ذلك للنبات , و لا لبعض
الحيوانات لأنها لا تتنفس كلها . و قد غاب هذا الأمر عن اصحاب هذا الاعتقاد
. و حتى إذا وجب أن نجعل النفس من العناصر , فليس من الضرورى أن تكون من
جميعها , إذ يكفى أحد الطرفين المتقابلين أن يحكم على نفسه , و على ما يضاده ,
فنحن نعرف بالمستقيم المستقيم و المنحنى , لأن المسطرة تحكم عليهما معا , و
على العكس من ذلك لا يحكم المنحنى على نفسه , و لا على المستقيم .
ليست النفس ممتزجة بالعالم . و هناك بعض الفلاسفة يزعمون ان النفس ممتزجة
بالعالم كله . و لعل من هنا قد جاء ما ذهب إليه طاليس من أن كل شى ء مملوء
بالالهة . - إلا أن هذا الرأى يثير بعض الصعوبات : فلماذا لا تكون النفس حيوانا
, عندما تكون حاضرة فى الهواء , أو النار , كما تفعل ذلك عندما توجد فى
الممتزجات من هذه العناصر , مع أنها فى الحالة الاولى يظهر أنها أفضل ؟ ( و قد
نسأل ايضا بهذه المناسبة : لماذا تكون النفس التى توجد فى الهواء أفضل , و اكثر
خلودا من تلك التى توجد فى الحيوان ؟ ) . مهما يكن جوابنا عن