ج - و من تلك العيون التى يشرب بها عباد الله , إثبات وجود النفس الانسانية
كما يقتضيه مطلب هل البسيطة أيضا
. و ذلك لأن ما تقدم فى النفس من إثباتها
و تعريفها متناول للنفوس النباتية و
الحيوانية و الانسانية و الفلكية و كلها تشترك فيه , و الان يختص الأمر بالانسان
و هو الأمر الأهم لنا فى معرفة النفس .
و الشيخ فى الشفاء بعد الفراغ عن بيان الحد المذكور فى العين الثانية , أخذ
فى آخر ذلك الفصل , أى الفصل الأول من المقالة الأولى من نفس الشفاء - فى
إثبات هذا الأصل بقوله :
([ ويجب أن نشير فى هذا الموضع إلى إثبات وجود النفس التى لنا إثباتا على
سبيل
التنبيه و التذكير , إشارة شديدة الموقع عند من له قوة على ملاحظة الحق نفسه من
غير احتياج إلى تثقيفه و قرع عصاه و صرفه عن المغلطات , فنقول :
يجب أن يتوهم الواحد منا كأنه خلق دفعة , و خلق كاملا , لكنه حجب بصره عن
مشاهدة الخارج , و خلق يهوى فى هواء أو خلاء هويا لا يصدمه فيه قوام الهواء صدما
ما يحوج إلى أن يحس , و فرق بين أعضائه فلم تتلاق و لم تتماس , ثم يتأمل
أنه
هل يثبت وجود ذاته , فلا يشك فى إثباته لذاته موجودا و لا يثبت مع ذلك طرفا من
أعضائه و لا باطنا من أحشائه و لا قلبا و لا دماغا و لا شيئا من الأشياء من خارج .
فان قيل : إن المشعور به هو المزاج , فالجواب أن المزاج لايدرك إلا بالانفعال و
المنفعل عنه غير المنفعل . بل كان يثبت ذاته و لا يثبت لها طولا و لا عرضا و لا
عمقا . و لو إنه أمكنه فى تلك الحال أن يتخيل يدا أو عضوا آخر لم يتخيله جزءا
من ذاته و لا شرطا فى ذاته , و أنت تعلم أن المثبت غير الذى لم يثبت , و
المقر
به غير الذى لم يقربه . فاذن للذات التى أثبت وجودها خاصية لها على أنها هو
بعينة غير جسمه و أعضائه التى لم يثبت . فاذن المتنبه له سبيل إلى أن يتنبه على
وجود النفس بكونه شيئا غير الجسم بل غير جسم , و أنه