نام کتاب : قوت القلوب نویسنده : ابوطالب مکی جلد : 2 صفحه : 43
المؤمن في كل أربعين يوما أن يروع بروعة أو يصاب بنكبة، فكانوا يكرهون فقد
ذلك في ذهاب هذا العدد من غير أن يصابوا فيه بشيء. و روي أن عمارا تزوّج
امرأة فلم تكن تمرض فطلقها. و أنّ النبيّ صلى الله عليه و سلم عرضت عليه
امرأة فذكر من وصفها حتى همّ أن يتزوجها، فقيل له:
إنها ما مرضت قط فقال: لا حاجة لي فيها. و ذكر رسول الله صلى الله عليه و
سلم: الأوجاع من الصداع و غيره، فقال رجل: و ما الصداع؟ ما أعرفه فقال
النبي صلى الله عليه و سلم: إليك عني، من أراد أن ينظر إلى رجل من أهل
النار فلينظر إلى هذا. لأنّ في الخبر أنّ الحمى حظ المؤمن من نار جهنم.
و في حديث أنس و عائشة: يا رسول الله، هل يكون مع الشهداء يوم القيامة
غيرهم؟ فقال:
نعم، من ذكر الموت في كل يوم عشرين مرة. و في لفظ الحديث الآخر: الذي يذكر
ذنوبه فتحزنه، و إن ترك التداوي و برئ بغير دواء، كان هذا من قضاء الله و
قدره على وصف الإبطاء. و قد اختلف رأي الصحابة في مثل هذا المعنى. عام خرج
عمر رضى الله عنه إلى الشام، فلما بلغوا الجابية انتهى إليهم خبر الشام أنّ
به وباء عظيما و موتا ذريعا، فوقف الناس و افترقوا فرقتين، فمنهم من قال:
لا ندخل على الوباء نلقي بأيدينا إلى التهلكة فنكون سببا لإهلاك أنفسنا. و
قالت طائفة أخرى: بل ندخل و نتوكل على الله و لا نهرب من قدره، و لا نفر من
الموت فنكون كمن قال الله تعالى: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا
من دِيارِهِمْ وَ هُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ [البقرة: 243]، فرجع
الجميع إلى عمر فسألوه عن رأيه، فوافق عمر الذين قالوا نرجع و لا ندخل على
الوباء، فقال له آخرون: أ نفر من قدر الله؟ فقال عمر: نعم، نفر إلى قدر
الله. ثم ضرب لهم مثلا فقال: أ رأيتم لو كان لأحدكم غنم و له شعبتان،
إحداهما مخصبة و الأخرى مجدبة، أ ليس إن رعى الخصبة رعاها بقدر الله، و إن
رعى المجدبة رعاها بقدر الله؟ فسكتوا، ثم دعا عمر بعبد الرحمن بن عوف يسأله
عن رأيه فقيل: هو غائب، قد تأخر في المنزل الذي نزلنا فيه. فثبت عمر و
أصحابه على ذلك الرأي، و على أن يسأل عبد الرحمن عن رأيه فيه، فلما أصبحوا
جاء عبد الرحمن بن عوف فسأله عمر عن ذلك، فقال: عندي فيه يا أمير المؤمنين،
شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم، فقال عمر رضي الله عنه:
الله أكبر يقول: إذا سمعتم بالوباء في أرض فلا تقدموا عليه، و إذا وقع في
أرض و أنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه. ففرح عمر بذلك إذ وافق رأيه فرجع
بالناس من الجابية.
بيان آخر من التمثيل في التداوي و تركه
و مثل التداوي و تركه في أنهما مباحان. و أنّ أحدهما طريق الأقوياء
الصابرين و هو تركه. مثل التكسب و تركه أنّ التكسب عند الجوع الذي هو علّة
الجسم ليستعجل العبد
نام کتاب : قوت القلوب نویسنده : ابوطالب مکی جلد : 2 صفحه : 43