نام کتاب : قوت القلوب نویسنده : ابوطالب مکی جلد : 2 صفحه : 42
الحياة و النعيم، و إن أراد باستعجال العوافي قوة النفس لأجل الهوى، و
ليسعى في مخالفة المولى، كان مأزور السوء نيّته و وجود عزيمته و خرج من
المباح إلى المحظور، و ذلك يخرجه من حد التوكل و أوله، و هذا من مذموم
أبواب الدنيا و ممقوتها. و إن كانت نيته في تعجيل العوافي التصرف في
المعايش و التكسب للإنفاق و الجمع، نظر في شأنه، فإن كان يسعى في كفاف و
على عيلة ضعاف، و عن حاجة و إجحاف لحق هذا بالطبقة الأولى. و هذا باب من
أبواب الآخرة و هو مأجور عليه، و لا يخرجه من التوكل، و إن كان يسعى في
تكاثر، و تفاخر، و لا يبالي من أين كسب، و فيما أنفق، لحق هذا في الطبقة
الثالثة من العاصين، و هذا من أكبر الدنيا المبعدة عن الله عزّ و جلّ، فهذه
نيات الناس في التداوي المحمودة و المذمومة. فإن لم يتداو المتوكل تسليما
للوكيل و سكونا تحت حكمه و رضا باختياره و صنعه، إذ قد أيقن أن للعلّة وقتا
إذا جاء بريء بإذن الله تعالى. إلّا أنها بعد عشرين يوما، فيصبر و يرضى و
يحمل على نفسه ألم عشرة أيام رضا بقضاء الله، و صبرا على بلائه، و حسن ظنه
باختياره له، و لا يتهمه في قضاءه عليه. فهذا هو أحد الوجوه في حسن الظن
باختيار الله أن لا يتهم الله في فضيلة كيف. و قد روي فيه نص أنّ رجلا قال:
يا رسول الله، أوصني، فقال: لا تتهم الله في شيء قضاه عليك.
و قد روي في معنى هذا خبر فيه شدة. يقول الله تعالى: من لم يصبر على بلائي و
يرض بقضائي و يشكر نعمائي فليتخذ ربّا سواي. و هذا باب من الزهد في الدنيا
بمقدار ما نقص من الرغبة في نعيم النفس، لأنّ الجسم من الملك فما نقص منه
نقص من الدنيا، و القلب من الملكوت فما زاد فيه زاد في الآخرة و هو باب من
الصبر بقدر ما صبر عليه من النقص. كما قال تعالى: وَ نَقْصٍ من الْأَمْوالِ
وَ الْأَنْفُسِ [البقرة: 155] يعني أمراضها و أسقامها، و بشر الصابرين و
نقص الأموال إقلالها و إذهابها، فكذلك جعلناه زهدا لاقترانه بالمال، و مع
هذا فهو لا يأمن في تعجيل العوافي من المعاصي، فإذا انتهى وقت العلّة، برئ
من غير دواء بإذن الله، و له في الأمراض تجديد التوبة، و الحزن على الذنوب،
و كثرة الاستغفار، و حسن التذكرة، و قصر الأمل، و كثرة ذكر الموت. و في
الخبر: أكثروا من ذكر هادم اللذات: و من أبلغ ما يذكر به الموت و توقع
نزوله الأمراض فقد قيل: الحمى بريد الموت. و في قوله عزّ و جلّ: أَ وَ لا
يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ في كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ
[التوبة: 126] الآية. قيل: بالأمراض و الأسقام يختبرون بها. و يقال: إنّ
العبد إذا مرض مرضتين ثم لم يتب قال ملك الموت: يا غافل، جاءك مني رسول بعد
رسول فلم تقبل.
و قد كانوا يستوحشون إذا خرج عنهم عام لم يصابوا فيه بنقص أو مال. و يقال:
لا يخلو
نام کتاب : قوت القلوب نویسنده : ابوطالب مکی جلد : 2 صفحه : 42