نام کتاب : قوت القلوب نویسنده : ابوطالب مکی جلد : 1 صفحه : 337
على تبديل النعمة بالمعصية معجلا في الدنيا و يكون مؤجلا في الآخرة.
و قد يكون العقاب في أسباب الدنيا. و قد يكون في حرمان أسباب الآخرة لأنها
مآله و مثواه، و قد يكون فيهما معا، و قد تكون نفس المعصية بالنعمة عقوبة و
الجهل بالنعمة و تضييع الشكر عليها و استصغارها و السكون إليها و التطاول و
التفاخر و التكابر بها كل هذه الأسباب عقوبات ثم يفترض على العبد إذا عصاه
الرجوع إلى مولاه و هو التوبة عقيب وقوفه مع نفسه و هو موافقة الهوى
بالخطيئة فتأخيره بالتوبة و إصراره على الذنب ذنبان مضافان إلى الخطيئة.
فإذا تاب من ذنبه و أحكم التوبة منه اعتقد الاستقامة على الطاعة و دوام
الافتقار إلى الله تعالى في العصمة ثم يتوب أبدا من الصغائر إلى الهمّ و
التمني، و من الخوف و الطمع في المخلوق، و هي ذنوب الخصوص إلى الطرفة و
النفس و السكون إلى شيء و الراحة بشيء و هذه ذنوب المقربين حتى لا يبقى
على العبد فيما يعلم مخالفة و حتى يشهد له العلم بالوفاء فتبقى حينئذ ذنوبه
من مطالعة علم الله تعالى فيه لما استأثر به عنه من علم غيبه يكاشفه به و
من معنى نفس العبودية و كون الخلقة عن تسليط الربوبية بوصفها و كبرها فيكون
هذا الخوف مثوبة له لما فزع من علم نفسه إلى ما لا يمكن ذكره و لا يعرف
نشره من ذنوب المقربين التي هي صالحات أصحاب اليمين لفقد مشاهدتها و للجهل
بمعرفة مقاماتها عند العموم فيكون حال هذا المقرب الإشفاق من البعد في كل
طرفة و نفس إلى وقت اللقاء و الخوف من الإعراض و الحجب في كل حركة و هم في
هذه الدار إلى دار البقاء.
و قد روينا في خبر غريب: إن الله عزّ و جلّ أوحى إلى يعقوب عليه السلام أ
تدري لم فرقت بينك و بين يوسف. قال: لا. قال: لقولك لإخوته إني أخاف أن
يأكله الذئب لم خفت عليه الذئب و لم ترجني له و لم نظرت إلى غفلة إخوته و
لم تنظر إلى حفظي له فهذا معنى قول يوسف للساقي: اذكرني عند ربك. قال الله
تعالى: فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ في السِّجْنِ
بِضْعَ سِنِينَ [يوسف: 42]. فهذا مما يعتب على الخصوص من خفي سكونهم و لمح
نظرهم إلى ما سوى الله تعالى و إنما حرم بعض التابعين ذلك المزيد و لم
يجدوا حلاوة التوبة لتهاونهم بحال الرعاية و تسامحهم بترك حسن القيام بشاهد
المراقبة و ذلك يكون من قلة أحكام أمر التوبة و لو قاموا بحكم التوبة من
الذنب الواحد و أحكموا حال توّاب من الصادقين في التوبة لم يعدموا من الله
تعالى المزيد لأنهم محسنون فهم في تجديد. قال الله تعالى: سَنَزِيدُ
الْمُحْسِنِينَ [البقرة: 58] فإذا رآك مستقيما على التوبة عاملا بالصالحات و
لم تجدك على مزيد من مبرّات بوجد حلاوة أو حسن خليقة أو عروض زهد أو خاصية
معروفة فارجع إلى باب المراقبة أو موقف الرعاية فتفقدهما و أحكم حالهما
نام کتاب : قوت القلوب نویسنده : ابوطالب مکی جلد : 1 صفحه : 337