و
سيسكن روعه و تهدأ فورته، ثمّ يتاح المجال من جديد أمام الإمام لمواصلة دروسه و
نشر علمه. و بناءً على ما تقدّم فلم يبق لصدور تلك الرواية من محملٍ سوى التقيّة،
و لكن لم يبق لدى الإمام سوى الخواصّ من أصحابه و هم ليسوا بالمذاييع، فلم يعد
للخوف من سبيل، فأبو بصير و صحبه ليسوا من أعوان المنصور، بل هم من حملة العلم و
رواة الحديث و فقهاء الإسلام، و التحدّث إليهم وظيفة شرعية تأريخية لا تدع للتقيّة
من شأن، فيعمد الإمام هنا إلى إظهار مكنون علمه و الإفصاح عن مقامه على ضوء
القرآن، فحقيقة علمه لا يعزب عنها صغير و لا كبير في هذا العالم فضلًا عن مكان تلك
الجارية. و هو لا يستطيع الإتيان بتلك الجارية بحركة فحسب بل يسخّر العالم بأسره،
ما نفهمه من كلمات الإمام عليه السلام أنّه مطّلع على كافّة أصناف العلم، و كيف
لآصف بن برخيا الذي تجرّع قطرة من بحر علم الكتاب أن يفعل ما فعل، و يغيب عن علم
الإمام شيء و هو الذي يعوم في بحر علوم الكتاب و محيطاته؟ و على ضوء هذا التحقيق
و التأمّل في هذه الرواية التي تصرّح بعلم الإمام بكافّة الحوادث و تمتّعه بالقوّة
و القدرة التامّة على فعل الأفاعيل، فهل هنالك من ماء عكر يمهّد السبيل أمام بعض
السذّج ممّن تأثروا بالوهابية للاصطياد فيه؟ و هل يسع أحد أن يقول لنا بعد ذلك:
إنّكم من المغالين في شخصية الإمام؟ فهذا الإمام و قد عجز عن العثور على جاريته!
الدافع
الثاني:
أمّا
الدافع الثاني الذي أغضب الإمام و جعله ينفي عنه علم الغيب فهو قضية الإفراط أو
التفريط و الغلوّ أو الإنكار، التي سيطرت على أغلب الأفراد تجاه الإمام، و هذا ما
يتوصّل إليه بسهولة من سياق الرواية، في أنّ البعض قد أفرط