إِنَّا
أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ
اللَّهُ وَ لا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً[1]. واضح أنّ ما أرى اللَّه نبيّه و أراده هو أن تكون حكومته و
دعائمها قائمة على أساس ذلك العلم بالمغيّبات، و قد ذكر كِبار المفسّرين من قبيل
الشيخ الطوسي- المحقّق المعروف- في سبب نزول الآية أنّ الإخوة الثلاثة من بني زريق
و هم بشر و بشير و مبشّر سرقوا سيفاً و درعاً و طعاماً من عمّ قتادة بن النعمان،
فأتى قتادة رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بطلب من عمّه لاسترداد تلك المسروقات،
و قد كان قتادة وجيهاً محترماً لدى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله؛ لأنّه شهد
بدراً. فبعث السرّاق بأسير بن عروة- و كان منطيقاً يشفع لهم عند النبي صلى الله
عليه و آله، فسمع ابن عروة مقالة قتادة، فقال مُدافعاً:
يا
رسول اللَّه صلى الله عليه و آله إنّ هؤلاء الإخوة من أشرافنا، فلا أرى أن تأذن
بأن يساء إلى المسلمين عندك، فحمل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله على قتادة و
عنّفه على اتّهاماته. و كان لا بدّ للنبي صلى الله عليه و آله من العمل بالظاهر
من تعنيفه، لرميه بعض المسلمين بالسرقة دون الإتيان بدليل أو حجّة ... فترك قتادة
المجلس حزيناً و رجع إلى عمّه مغموماً فقال:
ليتني
متّ و لم أقل للنبي صلى الله عليه و آله ما قلت
[2]. فنزلت الآية لتطّلع النبيّ صلى الله عليه و آله على الحقيقة و
تحكم بخيانة الإخوة الثلاث و تطلب من النبيّ صلى الله عليه و آله أن يستند في حكمه
إلى العلم الواقعي، أي العلم بالمغيّبات، رغم كون ظاهر الأمر يقتضي بما قام به
النبيّ صلى الله عليه و آله و يعنّف قتادة، إلّا أنّ اللَّه أشار عليه بالحكم
استناداً إلى الغيب و ما أراه سبحانه و ألّا يدافع عن الخائن، فالذي يفيده سبب
النزول أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله و بغضّ النظر عن الوحي لا يحيط ببعض
الأُمور الجزئية،