بعض
المباني المصيرية للإنسان في قصّة موسى فإنّه لا يمكننا أن نقول بأنّها مختصّة
ببني إسرائيل و الأُمّة الإسلامية مستثناة من هذا الأمر، و لا يسعنا هنا إلّا أن
نشير إلى بعض هذه المباني بصورة مختصرة و نترك الخوض في تفاصيلها إلى أهل التفسير.
1- يزعم أحبار اليهود أنّ لهم الجنّة خالصة دون أن ينازعهم أحد فيها، و إن كان و
لا بدّ من عذاب النار فهي لن تطالهم سوى أيّام معدودة
وَ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً[1]. أمّا القرآن فقد ردّ بمنطق رصين على
هذا الزعم- الذي كان يبديه المضلّون من أحبار اليهود بهدف التملّص من الإقرار
بنبوّة محمّد صلى الله عليه و آله و الإسلام- فرفضه رفضاً قاطعاً و أثبت أنّهم من
أصحاب النار و الشقاء الخالد يوم القيامة، و قد أوجز دليله و برهانه الرصين في هذه
الآية من سورة البقرة: بَلى مَنْ كَسَبَ
سَيِّئَةً وَ أَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها
خالِدُونَ[2]. فهم يغرون الناس و يغلقون عليهم كلّ
المنافذ ليفعلوا ما شاءوا فلا خوف عليهم و لا هم يحزنون. و بناءً على ما تقدّم
فإنّ هؤلاء الناس سيملئون حياتهم بالأعمال الشائنة و الأفعال التي تسوّد القلب و
تنتهي بالإنسان إلى أدنى المراتب الحيوانية، فهل لمثل هؤلاء الأفراد أن يبلغوا بعد
ذلك السموّ الإنساني؟ و هل لهم أن يتخلّصوا من طبائعهم العدوانية؟ و هل لمثل هؤلاء
الأفراد من حظّ يجعلهم يعيشون الحياة الأُخروية الهانئة؟ أم أنّهم سيذوقون وبال
أمرهم ليكبّوا على وجوههم في النار من جرّاء أعمالهم القبيحة، و هل لهم إلّا
الخلود في النار؟ حقّاً لا يرى العقل و الإنصاف لهؤلاء سوى عذاب النار خالدين فيها
و بئس المصير.