يكذب الناس على عليّ (عليه السّلام)، ثمّ قال: إنّما قال:
إنّكم ستُدعون إلى سبّي فسبّوني، ثمّ تُدعون إلى البراءة منّي و إنّي لَعلى دين
محمّد (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)، و لم يقل: و لا تبرءوا منّي.
فقال له السائل: أ رأيت إن اختار القتل دون البراءة؟ فقال
و اللَّه ما ذلك عليه، و ما له إلّا ما مضى عليه عمّار بن
ياسر؛ حيث أكرهه أهل مكّة وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ، فأنزل اللَّه عزّ و جلّ فيه إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ
بِالْإِيمانِ[1] فقال له النبيّ (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم) عندها: يا عمّار إنْ عادوا
فعُدْ، فقد أنزل اللَّه عذرك، و أمرك أن تعود إن عادوا [2].
و لا يخفى أنّ مسعدة و إن كان عامّياً [3]، إلّا أنّ روايته موثوق بها، بل قيل إنّ رواياته أصحّ من روايات جميل بن
درّاج [4]، و عليه فالسند غير قابل للمناقشة.
و أمّا الدلالة: فلا يخفى أنّ المراد بقوله (عليه السّلام)
ثمّ تُدعون إلى البراءة منّي و إنّي لعلى دين محمّد صلّى
اللَّه عليه و آله
، ليس النهي عن التبرّي عنه، و إلّا لما كان ما حكاه السائل
عن الناس كذباً عليه (عليه السّلام)، بل المراد أنّه لا تضرّ براءتكم بالنسبة
إلىّ؛ لأنّي على دين محمّد (صلّى اللَّه عليه و آله و سلّم)، فيستفاد منه الجواز،
و لذا استفاد السائل ذلك، فسأل عن اختيار القتل دون البراءة.
هذا، و يستفاد من قوله: «و اللَّه ما ذلك عليه و ما له إلّا
ما مضى ..» إلى آخره وجوب البراءة عند دوران الأمر بينها و بين القتل، لا مجرّد
الجواز، و لا ثبوت التخيير، كما يشهد بذلك وجوب المضيّ على ما مضى عليه عمّار الذي
أمره