الحمل على الاستحباب هناك لقيام الدليل على عدم كون البعث
ناشئاً من الإرادة الحتمية حتّى ينتزع منه الوجوب بناءً على ما ذكرنا في معنى هيئة
«افعل» و أمّا بناء على ما ذكروه فقيام الدليل الآخر على عدم الوجوب قرينة على
إرادة معنى مجازي من الصيغة الظاهرة في الوجوب عند التجرّد عن القرينة.
و أمّا هنا فمن المعلوم أنّ دليل المنسوخ ظاهر في الوجوب، و
ليس له ظهورات متعدّدة حسب تعدّد مراتب الوجوب، بل ليس له إلّا ظهور واحد في خصوص
الوجوب، غاية الأمر أنّه يكشف عن ثبوت الجواز و الرجحان أيضاً، و حينئذٍ فمع قيام
الدليل على ارتفاعه الراجع إلى ارتفاع الكاشف لا يبقى وجه لثبوتهما بعد انعدام ما
يكشف عنهما؛ إذ قد عرفت أنّه ليس هنا ظهورات ثلاثة حتّى يكون مقتضى دليل الناسخ
ارتفاع أحدها بحيث لا ينافي ثبوت الباقي، فالحقّ أنّه لو قلنا بإمكان بقاء الجواز
ثبوتاً، فلا يكون هنا دليل على بقائه.
الأمر الثالث: في استصحاب الجواز عند الشكّ في بقائه
قد يتمسّك في ذلك بالاستصحاب.
و لكن يرد عليه- مضافاً إلى أنّ جريانه موقوف على جريان
الاستصحاب في القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلّي مع أنّه محلّ إشكال- أنّه لو
قلنا بالجريان في هذا القسم فهو إنّما فيما إذا لم يختلّ بعض ممّا يعتبر في جريان
الاستصحاب، و أمّا إذا اختلّ كما في المقام لأنّ الجواز المستصحب لا يكون موضوعاً
لمجعول شرعي حتّى يترتّب عليه بالاستصحاب الحكم الذي جعل موضوعاً له، و لا يكون
بنفسه مجعولًا حتّى يثبت بالاستصحاب في الزمان اللّاحق فلا.