ومع هذه البراهين المشرقة نرى أنّ الاَشاعرة جوّزوا التكليف بما لا
يطاق، وبذلك أظهروا العقيدة الاِسلامية، عقيدة مخالفة للوجدان والعقل
السليم، ومن المأسوف عليه انّ المستشرقين أخذوا عقائد الاِسلام عن
المتكلّمين الاَشعريين، فإذا بهم يصفونها بكونها على خلاف العقل والفطرة
لاَنّهم يجوّزون التكليف بما لا يطاق.
إنّ الاَشاعرة استدلّوا بآيات تخيّلوا دلالتها على ما يرتأونه، مع أنّها
بمنأى عمّا يتبنّونه في المقام، وأظهر ما استدلّوا به آيتان:
وجه الاستدلال: انّ الآية صريحة على أنّ المفترين على اللّه سبحانه
في الدنيا، المنكرين للحقّ لم يكونوا مستطيعين من أن يسمعوا كلام اللّه
ويصغوا إلى دعوة النبي إلى الحقّ مع أنّهم كانوا مكلّفين باستماع
الحقّوقبوله، فكلّفهم اللّه تعالى بمالا يطيقون عليه.
يلاحظ عليه: أنّ عدم استطاعتهم ليس بمعنى عدم وجودها فيهم
ابتداءً، بل لاَنّهم حرموا أنفسهم من هذه النعم بالذنوب، فصارت الذنوب
سبباً لكونهم غير مستطيعين لسمع الحقّ وقبوله، وقد تواترت النصوص من
الآيات والاَحاديث على أنّ العصيان والطغيان يجعل القلوب عمياء
والاَسماع صمّـاء.