ثمّ إنّ الملاك المتقدّم وإن كان موجوداً في المشمومات والمذوقات
والملموسات، فإنّها أيضاً حاضرة لديه سبحانه كالمسموعات والمبصرات،
لكن لمّا كان إطلاق هذه الاَسماء ملازماً للمادّة والاِحساس في أذهان
الناس، لم يصحّ إطلاق اللامس والذائق والشامّ عليه.
ومن الغايات التي يرشد إليها الذكر الحكيم في مقام التوصيف
بالسميع والبصير هو إيقاف الاِنسان على أنّ ربَّه سميع يسمع ما يتلفّظه من
كلام، بصير يرى كلّ عمل يصدر منه فيحاسبه يوماً حسب ما سمعه ورآه.
ثمّ إنّ بعض المتكلّمين قد عدّ الاِدراك من صفاته تعالى والمدرك ـ
بصيغة الفاعل ـ من أسمائه، تبعاً لقوله سبحانه:
ولا شكّ انّه سبحانه ـ بحكم الآية الشريفة ـ مدرك، لكن الكلام في
أنّ الاِدراك هل هو وصف وراء العلم بالكليات والجزئيات؟ أو هو يعادل
العلم ويرادفه؟ أو هو علم خاص؟ والاَقرب هوالاَخير وهو العلم
بالموجودات الجزئية العينية، فإدراكه سبحانه هو شهود الاَشياء الخارجية
ووقوفه عليها وقوفاً تاماً .