responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 15  صفحه : 85

ثم خلق هذا كله من النطفة و هي في داخل الرحم في ظلمات ثلاث،و لو كشف لغطاء و الغشاء و امتد البصر إليه لكان يرى التخطيط و التصوير يظهر عليها شيئا فشيئا، و لا يرى المصور و لا آلته،فهل رأيت مصورا أو فاعلا لا يمس آلته و مصنوعه و لا يلاقيه، و هو يتصرف فيه،فسبحانه ما أعظم شأنه و أظهر برهانه ثم انظر مع كمال قدرته إلى تمام رحمته،فإنه لما ضاق الرحم عن الصبي لما كبر، كيف هداه السبيل حتى تنكّس،و تحرّك،و خرج من ذلك المضيق،و طلب المنفذ كأنه عافل بصير بما يحتاج إليه،ثم لما خرج و احتاج إلى الغذاء كيف هداه إلى التقام الثدي، ثم لما كان بدنه سخيفا لا يحتمل الأغذية الكثيفة كيف دبر له في خلق اللبن اللطيف، و استخرجه من بين الفرث و الدم سائغا خالصا،و كيف خلق الثديين و جمع فيهما اللبن و أنبت منهما حلمتين على قدر ما ينطبق عليهما فم الصبي،ثم فتح في حلمة الثدي ثقبا ضيقا جدّا حتى لا يخرج اللبن منه إلا بعد المص تدريجا فإن الطفل لا يطيق منه إلا القليل ثم كيف هداه للامتصاص حتى يستخرج من ذلك المضيق اللبن الكثير عند شدّة الجوع ثم أنظر إلى عطفه و رحمته و رأفته كيف أخّر خلق الأسنان إلى تمام الحولين،لأنه في الحولين لا يتغذى إلا باللبن فيستغنى عن السن،و إذا كبر لم يوافقه اللبن السخيف و يحتاج إلى طعام غليظ،و يحتاج الطعام إلى المضغ و الطحن،فأنبت له الأسنان عند الحاجة لا قبلها و لا بعدها،فسبحانه كيف أخرج تلك العظام الصلبة في تلك اللثات اللينة ثم حنن قلوب الوالدين عليه للقيام بتدبيره في الوقت الذي كان عاجزا عن تدبير نفسه فلو لم يسلط اللّه الرحمة على قلوبهما لكان الطفل أعجز الخلق عن تدبير نفسه ثم انظر كيف رزقه القدرة،و التمييز،و العقل،و الهداية تدريجا حتى بلغ و تكامل فصار مراهقا ،ثم شابا،ثم كهلا،ثم شيخا،إما كفورا أو شكورا،مطيعا أو عاصيا مؤمنا أو كافرا،تصديقا لقوله تعالى هَلْ أَتىٰ عَلَى الْإِنْسٰانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً إِنّٰا خَلَقْنَا الْإِنْسٰانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشٰاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنٰاهُ سَمِيعاً بَصِيراً إِنّٰا هَدَيْنٰاهُ السَّبِيلَ إِمّٰا شٰاكِراً وَ إِمّٰا كَفُوراً [1]فانظر إلى اللطف و الكرم،ثم إلى


[1] الدهر:1،2،3

نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 15  صفحه : 85
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست