responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 1  صفحه : 150

طبيبا و إن كان يعتقد على الجملة فيه مضرة،و لكن إذا كان علم الطبيب أتم كان خوفه أشد، فيكون الخوف جندا للعقل و عدّة له في قمع الشهوات و كسرها،و كذلك يكون العالم أقدر على ترك المعاصي من الجاهل لقوّة علمه بضرر المعاصي،و أعنى به العالم الحقيقي دون أرباب الطيالسة و أصحاب الهذيان .فان كان التفاوت من جهة الشهوة لم يرجع إلى تفاوت العقل،و إن كان من جهة العلم فقد سمينا هذا الضرب من العلم عقلا أيضا،فإنه يقوى غريزة العقل،فيكون التفاوت فيما رجعت التسمية إليه.و قد يكون بمجرد التفاوت في غريزة العقل،فإنها إذا قويت كان قمعها للشهوة لا محالة أشد و أما القسم الثالث و هو علوم التجارب،فتفاوت الناس فيها لا ينكر،فإنهم يتفاوتون بكثرة الإصابة و سرعة الإدراك،و يكون سببه إما تفاوتا في الغريزة،و إما تفاوتا في الممارسة .

فأما الأول و هو الأصل أعنى الغريزة،فالتفاوت فيه لا سبيل إلى جحده،فإنه مثل نور يشرق على النفس و يطلع صبحه.و مبادئ إشراقه عند سن التمييز،ثم لا يزال ينمو و يزداد نموا خفى التدريج إلى أن يتكامل بقرب الأربعين سنة.و مثاله نور الصبح،فان أوائله يخفى خفاء يشق إدراكه،ثم يتدرج إلى الزيادة،إلى أن يكمل بطلوع قرص الشمس و تفاوت نور البصيرة كتفاوت نور البصر ،و الفرق مدرك بين الأعمش و بين حاد البصر، بل سنة اللّٰه عز و جل جارية في جميع خلقه بالتدريج في الإيجاد،حتى إن غريزة الشهوة لا تظهر في الصبي عند البلوغ دفعة و بغتة بل تظهر شيئا فشيئا على التدريج،و كذلك جميع القوى و الصفات.

و من أنكر تفاوت الناس في هذه الغريزة فكأنه منخلع عن ربقة العقل و من ظن أن عقل النبي صلّى اللّٰه عليه و سلم مثل عقل آحاد السوادية و أجلاف البوادي فهو أخس في نفسه من آحاد السوادية،و كيف ينكر تفاوت الغريزة و لولاه لما اختلف الناس في فهم العلوم،و لما انقسموا إلى بليد لا يفهم بالتفهيم إلا بعد تعب طويل من المعلم،و إلى ذكى يفهم بأدنى رمز و إشارة،و إلى كامل تنبعث من نفسه حقائق الأمور بدون التعليم،كما قال تعالى:

(يَكٰادُ زَيْتُهٰا يُضِيءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نٰارٌ،نُورٌ عَلىٰ نُورٍ) و ذلك مثل الأنبياء عليهم السلام،إذ يتضح لهم في بواطنهم أمور غامضة من غير تعلم و سماع،و يعبر عن ذلك بالالهام.و عن مثله

نام کتاب : إحياء علوم الدين نویسنده : الغزالي، أبو حامد    جلد : 1  صفحه : 150
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست