فان قلت:ملاك الأمر و النهي حسن التعلّق و قبحه و لا يعقل أن يكون الحسن بالذات قبيحاً بالعرض أو بالذات فانّ الذاتيّ لا يتخلّف.
قلت:ليس المراد بالحسن ذاتاً أنّ الفعل علّة تامّة للحسن أو العنوان الحسن من ذاتيّاته و مقوّماته بل المراد من الذاتيّ هنا أنّ الفعل لذاته لا لانطباق عنوان آخر عليه يكون حسناً،و هو على قسمين،فتارةً يكون الفعل علّة تامّة للحسن،و أخرى مقتضياً له،فالأوّل كالعدل و الإحسان،و الثاني كالصدق هذا على المشهور.
و أمّا على التحقيق فالشيء إمّا أن يكون بعنوانه حسناً بمعنى أنّ الموضوع يحكم العقل العملي بالحسن نفسه مع قطع النّظر عن عنوان آخر و هو الحسن بالذات،و إمّا لا يكون بعنوانه حسناً سواء كان لو خلّي و طبعه انطبق عليه عنوان حسن كالصّدق فانّه لو خلّي و طبعه حسن فانّه عدل أو لم يكن لو خلّي و طبعه كذلك بل كان في نفسه إمّا قبيحاً أو لا حسناً و لا قبيحاً فالأوّل كالكذب فانّه لو خلّي و طبعه ينطبق عليه عنوان الإغراء بالجهل المنتهى إلى الظلم،و أمّا لو عرضه عنوان إنجاء المؤمن كان حسناً لأنّه عدل و إحسان حينئذ.
و الثاني كشرب الماء فانّه في حدّ ذاته لا ينطبق عليه عنوان حسن أو قبيح و هذا المسلك أحسن ممّا سلكه المشهور من عنوان العليّة التامّة و الاقتضاء بداهة أنّه تأثير و لا تأثّر للعناوين بل الحسن و القبح اللذان هما من صفات الفعل الاختياري عبارة عن حكم العقل العملي المأخوذ من القضاء بالمشهورة المعدودة من الصناعات الخمس في علم الميزان و موضوع هذا الحكم بنفسه من غير ملاحظة شيء آخر هو العنوان الحسن لذاته و ما ينطبق عليه هذا الموضوع العنواني حسن بالعرض و كلّ ما بالعرض لا بدّ أن ينتهي إلى ما بالذات.
نعم بعض الموضوعات لو خلي و طبعه ينطبق عليه ذلك العنوان فيعبّر عنه بأنّه حسن بذاته و بعضها ليس كذلك بل في حدّ ذاته لا ينطبق عليه شيء فالمراد