responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 611

بنت محمد انظري لنفسك لا أغنى عنك من اللّٰه شيئا و قال مثل هذه المقالة لجميع الأقربين و كان عمه أبو لهب حاضرا فنفخ في يده و قال ما حصل بأيدينا مما قاله شيء و صدق أبو لهب فإنه ما نفعه اللّٰه بإنذاره و لا أدخل قلبه منه شيئا لما أراد به من الشقاء فأنزل اللّٰه فيه تَبَّتْ يَدٰا أَبِي لَهَبٍ وَ تَبَّ مٰا أَغْنىٰ عَنْهُ مٰالُهُ وَ مٰا كَسَبَ فإنه كان معتمدا على ماله فمن اعتمد على غير اللّٰه في أموره خسر و القائلون بالأسباب إذا اعتمدوا عليها و تركوا الاعتماد على اللّٰه لحقوا بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمٰالاً و إذا أثبتوا الأسباب و اعتمدوا على اللّٰه و لم يتعدوا فيها منزلتها التي أنزلها اللّٰه فيها فأولئك الأكابر من رجال اللّٰه الذين لاٰ تُلْهِيهِمْ تِجٰارَةٌ وَ لاٰ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللّٰهِ و أثبت لهم الحق الرجولة في هذا الموطن و من شهد له الحق بأمر فهو على حق في دعواه إذا ادعاه و من أثبت الأسباب بإثبات الحق و ركن إليها ركون الطبع و اضطرب عند فقدها في نفس الاعتماد على اللّٰه فذلك من متوسط الرجال و إذا وقع الاضطراب في النفس فإن أحس بالفقد و اضطرب المزاج فذلك من خصائص الرجال الأكابر و إن لم يضطرب المزاج و لم يحس بالفقد فذلك حال الاعتماد على اللّٰه و هو مقام المتوسطين أصحاب الأحوال و من هذا المنزل

قيل للنبي صلى اللّٰه عليه و سلم في فتح مكة لما وقف بين يديه رجل ممن كان النبي صلى اللّٰه عليه و سلم يريد قتله فلما قضى حاجته منه و انصرف قال النبي صلى اللّٰه عليه و سلم لم لم تقتلوه حين وقف بين يدي فقال له أصحابه هلا أومأت إلينا بطرفك فقال صلى اللّٰه عليه و سلم ما كان لنبي أن تكون له خائنة عين و هي حالة لا يسلم منها و غاية إن يسلم منها من سلم في الشر و أما في الخير فإنهم ربما اتخذوها في الخير طريقا محمودة فيومئ الكبير في حق الحاضر إلى بعض من يمتثل أمره أن يجيء إليه بخلعة أو بمال يهبه لذلك الحاضر يكون ذلك إيماء بالعين لا تصريحا باللفظ من غير شعور من يومي في حقه بذلك الخير و لا يقع مثل هذا و إن كان خيرا من نبي و سببه أن لا تعتاده النفس فربما تستعمله في الشر لاستصحابها إياه في الخير إذ كانت النفس من طبعها أن تسترقها العادة و إنما سميت خائنة عين لأن الإفصاح عما في النفس إنما هو لصفة الكلام ليس هو من صفة العين و إن كان في قوة العين الإفصاح بما في النفس بالإشارة و لكن إنما لها النظر و الذي عندها من صفة الكلام إنما هو أمانة بيدها للكلام فإذا تصرفت في تلك الأمانة بالإيماء و الإشارة لمن تومئ إليه في أمر ما فقد خانت الكلام فيما أمنها عليه من ذلك فلهذا سميت خٰائِنَةَ الْأَعْيُنِ فوصفت بالخيانة و الخيانة التصرف في الأمانة فإن الأمانة ليست بملك لك و إنك مأمور بأدائها إلى أهلها فإذا اقتضى المنزل الأمر بخير و شر في حق شخص و في قوة العين الإفصاح عن ذلك لمن يشير إليه به فعلمت إن ذلك صفة للكلام فلم تفعل و ردت تلك الأمانة إلى اللسان فنطق فقد أدت هذه العين الأمانة إلى أهلها و لم تخن فيها قال تعالى يَعْلَمُ خٰائِنَةَ الْأَعْيُنِ أي يعلم أنها خيانة و كيف هي خيانة و لم يقل يعلم ما أشارت به الأعين و ما أومأت فإن المشار إليه يعلم ذلك فلا يكون مدحا و لكن لا يعلم كل أحد أنها خيانة إلا من أعلمه اللّٰه بذلك و قد أعلمنا بها فعلمناها فهي في الخير خيانة محمودة و في الشر خيانة مذمومة و ما زالت عن كونها خيانة في الحالين و بعد أن بينا لك هذا الأمر فتحفظ منها ما استطعت أن تفعلها مع الحضور فإنك لست بمعصوم فاستعمل الحضور عسى تفوز بهذا المقام فإن قلت قد أشارت من شهد لها بالكمال و منعت من الكلام و هي مريم إلى عيسى إن يسألوه عن شأنه قلنا بعد ذلك نالت الكمال لا في ذلك الوقت أ لا ترى زكريا قيل له آيَتُكَ أَلاّٰ تُكَلِّمَ النّٰاسَ ثَلاٰثَةَ أَيّٰامٍ إِلاّٰ رَمْزاً و الرمز ما يقع بالإشارة فإن الإشارة صريحة في الأمر المطلوب بل هي أقوى في التعريف من التلفظ باسم المشار إليه في مواطن يحتاج المتكلم فيها إلى قرينة حال حتى لو قال شخص لآخر كلم زيدا بكذا و كذا و زيد حاضر احتمل أن يفهم عنه السامع زيدا آخر غير هذا و المتكلم إنما أراد الحاضر فإذا ترك التلفظ باسمه و أشار إليه بيده أو بعينه فقال كلم هذا مشيرا إليه كان أفصح و أبعد من الإبهام و النكر و الحرف إنما هو لفظ مجمل يحتمل التوجيه فيه إلى أمور مثل ما رمز الشاعر في التعريف بالنار من غير إن يسميها فقال

و طائرة تطير بلا جناح و تأكل في المساء و في الصباح
و تمشي في الغصون لها صياح و هز في الحسام لدى الكفاح
تفر الأسد منها في الفيافي و تغلب للصوارم و الرماح

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 611
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست