يؤيد ما ذكرناه أنه لو حسن الظن بشخص و تخيل أنه من أولياء اللّٰه و ليس كذلك في نفس الأمر عظمه و احترمه هذا في فطرة كل مخلوق فما قصد أحد انتهاك حرمة اللّٰه في أوليائه و هذا من غيرة الحق فإن قلت فقد آذوا اللّٰه مع علمهم بأنه اللّٰه قلنا في الجواب عن ذلك ما علموا إن ذلك أذى و أنهم تأولوا فأخطئوا في نفس الأمر لحكم الشبهة التي قامت لهم و تخيلوا أنها دليل و هي في نفس الأمر ليست كذلك و هذه كلها من الحق في عباده أمور مقدرة لا بد من وقوعها فمن غيرته حجابهم عن العلم به و بالخاصة من عباده فجناب اللّٰه و أهل اللّٰه على الإطلاق محترمون ما لم تعين أو يتأول فاعلم ذلك
(الباب الحادي و الخمسون و مائة في معرفة مقام ترك الغيرة و أسراره)
مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فهو الذي بنوره في كل أمر يهتدى و غيرة العبد إذا حققتها شح طبيعي من أسباب الردي و غيرة الحق إذا علمتها من رؤية الغير و لا غير بدا فلا تقل بغيرة فإنها مشتقة من غير فاتركها سدى و أين عين الغير و هو عدم فاسلك هديت الرشد أسباب الهدى و انسب إلى الباري ما قال و ما جاء به شرع و لكن ابتدا مما لو أن العقل يبقى وحده ما قاله معتقدا و قدا فإن يكن بعد سؤال قاله فهو دواء و هو بالبرهان دا فالحق ما قرره الشرع و لو دل على كل محال و بدا فالمؤمن الحق بهذا مؤمن و كل من أوله قد اعتدى لأنه ظن و بعض الظن قد يكون إثما قائدا نحو الردي
[إذا كانت العين واحدة فلا غيرة إذ لا غير]
إذا اقتضى نظر العبد العارف ظهور الحق في أعيان الممكنات الثابتة و إنها ما استفادت منه الوجود و إنما استفادت منه ما ظهر مما هي عليه من الحقائق عند ظهوره فيها فأعطته كل وصف و نعت اتصف به مما تضيفه بطريق الحقيقة إلى الإنسان أو العالم كيفما شئت قلت و من جملة النعوت الغيرة المحكوم بها في نسبة ما ظهر به الظاهر لظهور آخر لحكم آخر من عين آخر فإذا كانت العين واحدة فلا غيرة إذ لا غير
[الغيرة متعلقها النسب أو الأعمال و هي كلها لله]
و إذا نزلت عن هذا النظر إلى قوله مٰا مِنْ دَابَّةٍ إِلاّٰ هُوَ آخِذٌ بِنٰاصِيَتِهٰا و قوله وَ اللّٰهُ خَلَقَكُمْ وَ مٰا تَعْمَلُونَ لم يصح وجود الغيرة فإن الغيرة متعلقها النسب أو قل الأعمال و هي كلها لله فعلى من تقع الغيرة و ما هو ثم إذ كانت النسب و الأعمال كلها لله
[الغيرة المعلومة الظاهرة في الكون شح طبيعي الكرم المطلق لا تكون معه غيرة]
و الغيرة المعلومة الظاهرة في الكون شح طبيعي و الشح في ذلك الجناب العالي و في الأرواح العلى لا يصح فإذا ظهرت فمن النفس الحيوانية و لهذا توجد الغيرة في الحيوانات و أصلها ضيق الملك و فقد الغرض فالكرم المطلق لا يكون معه غيرة أصلا
(الباب الثاني و الخمسون و مائة في مقام الولاية و أسرارها)
إن الولاية عند العارفين بها نعت اشتراك و لكن فيه إشراك حبالة نصبت للعارفين بها صيد العقول و سيف الشرع بتاك و العبد ليس له في حكمها قدم و كيف يقضي بشيء فيه إشراك إِنْ تَنْصُرُوا اللّٰهَ يَنْصُرْكُمْ فقد نزلت و عين تحقيقها ما فيه إدراك و ما الإله بمحتاج لنصرتنا و قد أتتكم به رسل و أملاك فسلمته إلى من جاء منه و قل العجز عن درك الإدراك إدراك
[لسان العموم في الولاية]
الولاية نعت إلهي و هو للعبد خلق لا تخلق و تعلقه من الطرفين عام و لكن لا يشعر بتعلقه عموما من الجناب الإلهي و عموم تعلقه من الكون أظهر عند الجميع فإن الولاية نصر الولي أي نصر الناصر فقد تقع لله و قد تقع حمية و عصبية