responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 111

من خلف حجاب الأسماء الإلهية فلم يتعلق لأعيان الممكنات علم بالله إلا من حيث هذه الأسماء عقلا و كشفا

(السؤال السادس عشر و مائة)ما شراب الحب

الجواب تجل متوسط بين تجليين و هو التجلي الدائم الذي لا ينقطع و هو أعلى مقام يتجلى الحق فيه لعباده العارفين و أوله تجلى الذوق و أما التجلي الذي يقع به الري فهو لأصحاب الضيق فغاية شربهم رى و أما أهل السعة فلا رى لشربهم كأبي يزيد و أمثاله فأول ما أقدم في هذا السؤال معرفة الحب و حينئذ يعرف شرابه الذي أضيف إليه و كأسه

[مراتب الحب]

فاعلم إن الحب على ثلاث مراتب حب طبيعي و هو حب العوام و غايته الاتحاد في الروح الحيواني فتكون روح كل واحد منهما روحا لصاحبه بطريق الالتذاذ و إثارة الشهوة و نهايته من الفعل النكاح فإن شهوة الحب تسري في جميع المزاج سريان الماء في الصوفة بل سريان اللون في المتلون و حب روحاني نفسي و غايته التشبه بالمحبوب مع القيام بحق المحبوب و معرفة قدره و حب إلهي و هو حب اللّٰه للعبد و حب العبد ربه كما قال يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ و نهايته من الطرفين أن يشاهد العبد كونه مظهرا للحق و هو لذلك الحق الظاهر كالروح للجسم باطنه غيب فيه لا يدرك أبدا و لا يشهده إلا محب و أن يكون الحق مظهرا للعبد فيتصف بما يتصف به العبد من الحدود و المقادير و الأعراض و يشاهد هذا العبد و حينئذ يكون محبوبا للحق و إذا كان الأمر كما قلناه فلا حد للحب يعرف به ذاتي و لكن يحد بالحدود الرسمية و اللفظية لا غير فمن حد الحب ما عرفه و من لم يذقه شربا ما عرفه و من قال رويت منه ما عرفه فالحب شرب بلا رى قال بعض المحجوبين شربت شربة فلم أضمأ بعدها أبدا فقال أبو يزيد الرجل من يحسي البحار و لسانه خارج على صدره من العطش و هذا هو الذي أشرنا إليه

[الحب الطبيعي]

و اعلم أنه قد يكون الحب طبيعيا و المحبوب ليس من عالم الطبيعة و لا يكون الحب طبيعيا إلا إذا كان المحب من عالم الطبيعة لا بد من ذلك و ذلك أن الحب الطبيعي سببه نظرة أو سماع فيحدث في خيال الناظر مما رآه إن كان المحبوب ممن يدرك بالبصر و في خيال السامع مما سمع فحمله في نشأته فصوره في خياله بالقوة المصورة و قد يكون المحبوب ذا صورة طبيعية مطابقة لما تصور في الخيال أو دون ذلك أو فوق ذلك و قد لا يكون للمحبوب صورة و لا يجوز أن يقبل الصور فصور هذا المحب من السماع ما لا يمكن أن يتصور و لم يكن مقصود الطبيعة في تصوير ما لا يقبل الصورة إلا اجتماعها على أمر محصور ينضبط لها مخافة التبديد و التعلق بما ليس في اليد منه شيء فهذا هو الداعي لما ذكرناه من تصوير من ليس بصورة أو من تصوير من لم يشهد له صورة و إن كان ذا صورة و فعل الحب في هذه الصورة أن يعظم شخصها حتى يضيق محل الخيال عنها فيما يخيل إليه فتثمر تلك العظمة و الكبر التي في تلك الصورة نحو لا في بدن المحب فلهذا تنحل أجساد المحبين فإن مواد الغذاء تنصرف إليها فتعظم و تقل عن البدن فينحل فإن حرقة الشوق تحرقه فلا يبقى للبدن ما يتغذى به و في ذلك الاحتراق نمو صورة المحبوب في الخيال فإن ذلك أكلها ثم إن القوة المصورة تكسو تلك الصورة في الخيال حسنا فائقا و جمالا رائقا يتغير لذلك الحسن صورة المحب الظاهرة فيصفر لونه و تذبل شفته و تغور عينه ثم إن تلك القوة تكسو تلك الصورة قوة عظيمة تأخذها من قوة بدن المحب فيصبح المحب ضعيف القوي ترعد فرائصه ثم إن قوة الحب في المحب تجعله يحب لقاء محبوبه و يجبن عند لقائه لأنه لا يرى في نفسه قوة للقائه و لهذا يغشى على المحب إذا لقي المحبوب و يصعق و من فيه فضلة و حبه ناقص يعتريه عند لقاء محبوبه ارتعاد و خبلان كما قال بعضهم

أفكر ما أقول إذا افترقنا و أحكم دائبا حجج المقال
فأنساها إذا نحن التقينا و أنطق حين أنطق بالمحال
ثم إن قوة الحب الطبيعي تشجع المحب بين يدي محبوبه له لا عليه فالمحب جبان شجاع مقدام فلا يزال هذا حاله ما دامت تلك الصورة موجودة في خياله إلى أن يموت و ينحل نظامه أو تزول عن خياله فيسلو و من الحب الطبيعي أن تلتبس تلك الصورة في خياله فتلصق بصورة نفسه المتخيلة له و إذا تقاربت الصورتان في خياله تقاربا مفرطا و تلتصق به لصوق الهواء بالناظر يطلبه المحب في خياله فلا يتصوره و يضيع و لا ينضبط له للقرب المفرط فيأخذه لذلك خبال و حيرة مثل ما يأخذ من فقد محبوبه و هذا هو الاشتياق و الشوق من البعد و الاشتياق من القرب المفرط كان قيس ليلى في هذا المقام حيث

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 2  صفحه : 111
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست