responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 579

كونية فإن كانت زكاة فرض فهي منة إلهية فإن كانت نذرا فهي إلهية كونية قهرية فإن النذر يستخرج به من البخيل و إن كانت هذه الأعطية هدية فما هو من هذا الباب فإن هذا الباب مخصوص بإعطاء ما هو صدقة لا غير

[الصدقة تكبر في يد الرحمن حسا و معنى]

فتكبر هذه الصدقة في يد الرحمن حسا و معنى فالحس منها من حيث ما هي محسوسة فتجدها في الجنة حسية المشهد مرئية بالبصر و المعنى فيها من حيث ما قام به من الكسب الحلال و التقوى فيه و المسارعة بها و طيب النفس بها عند خروجها و مشاهدته ما ذكرناه من الشئون الإلهية فيها فيجدها في الكثيب عند المشاهدة العامة و يجدها في كل زمان تمر عليه الموازين لزمان إخراجها و هو في الجنة فيختص من اللّٰه بمشهد في عين جنته لا يشهده إلا من هو بهذه المثابة

خرج مسلم عن أبي هريرة قال قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم ما تصدق أحد بصدقة من طيب و لا يقبل اللّٰه إلا الطيب إلا أخذها الرحمن بيمينه و إن كانت تمرة فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله و كل من نزل في صدقته عن هذه الدرجة التي وصفناها كانت منزلته عند اللّٰه بمنتهى علمه و قصده

[الصدقة من الاسم الغنى الشديد]

فالصدقة لا تكون إلا من الاسم الغني الشديد ذي القوة المتين بطريق الامتنان غير طالب الشكر عليها فإن اقترن معها طلب الشكر فليست من الاسم الغني بل من الاسم المريد الحكيم العالم

[الصدقة و نية القرض الحسن]

فإن خطر للمتصدق أن يقرض اَللّٰهَ قَرْضاً حَسَناً بصدقته تلك مجيبا لأمر اللّٰه فهذا الباب أيضا يلحق بالصدقة لكونه مأمورا بالقرض و قد يكون القرض نفس الزكاة الواجبة فإن طلب عوضا زائدا ينتفع به على ما أقرض خرج عن حده قرضا و كان صدقة غير موصوفة بالقرضية فإنه لم يعط القرض المشروع

فإن اللّٰه لا ينهى عن الربا و يأخذه منا كذا قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم فإنه كل قرض جر نفعا فهو ربا و هو أن يخطر له هذا عند الإعطاء فلا يعطيه إلا لهذا و للمعطي الذي هو المقترض أن يحسن في الوفاء و يزيد فوق ذلك ما شاء من غير أن يكون شرطا في نفس القرض فإن اللّٰه قد وعد بتضاعف الأجر في القرض و لكن لا يقرضه العبد لأجل التضاعف بل لأجل الأمر و الإحسان في الجزاء يوم القيامة لله تعالى على ذلك

[معاملة اللّٰه لنا بما شرع لنا]

و هذا معنى قوله حسنا في وصف القرض فإن اللّٰه يعاملنا بما شرع لنا لا بغير ذلك أ لا تراه قد أمر نبيه صلى اللّٰه عليه و سلم أن يسأله يوم القيامة أن يحكم بالحق الذي بعثه به بين عباده و بينه فقال له قٰالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ و الألف و اللام في الحق للحق المعهود الذي بعث به و على هذا تجري أحوال الخلق يوم القيامة فمن أراد أن يرى حكم اللّٰه يوم القيامة فلينظر إلى حكم الشرائع الإلهية في الدنيا حذوك النعل بالنعل من غير زيادة و لا نقصان فكن على بصيرة من شرعك فإنه عين الحق الذي إليه مآلك و لا نغتر و كن على حذر و حسن الظن بربك و اعرف مواقع خطابه في عباده من كتابه العزيز و سنة نبيه صلى اللّٰه عليه و سلم

(وصل في فصل إخفاء الصدقة)

اعلم أن إخفاء الصدقة شرط في نيل المقام العالي الذي خص اللّٰه به الأبدال السبعة و صورة إخفائها على وجوه منها أن لا يعلم بك من تصدقت عليه و تتلطف في إيصال ذلك إليه بأي وجه كان فإن الوجوه كثيرة

[أخذ الصدقة من اللّٰه لا منك]

و منها أن تعلمه كيف يأخذ و أنه يأخذ من اللّٰه لا منك حتى لا يرى لك فضلا عليه بما أعطيته فلا يظهر عليه بين يديك أثر ذلة أو مسكنة و يحصل له علم جليل بمن أعطاه فتغيب أنت عن عينه حين تعطيه فإنه قد قررت عنده أنه ما يأخذ سوى ما هو له فهذا من إخفاء الصدقة

[أخفى الأخفاء أن لا تعلم شمالك ما أنفقته يمينك]

و منها أن تخفي كونها صدقة فلا يعلم المتصدق عليه بين يدي المتصدق فإذا أخذها العامل الذي نصبه السلطان أخذها بعزة و قهر منك فإذا حصلت بيد السلطان الذي هو الوكيل من قبل اللّٰه عليها أعطاها لسلطان أربابها لثمانية و أخذها أربابها بعزة نفس لا بذلة فإنه حق لهم بيد هذا الوكيل فلا يعلم الآخذ في أعطيته من هو رب ذلك المال على التعيين فلم يكن للغني رب المال على هذا الفقير منة و لا عزة و لا يعرف هل وصل إليه على التعيين عين ماله على التعيين فكان هذا أيضا من إخفاء الصدقة لأنه لم يعلم المتصدق عين من تصدق عليه و لا علم المتصدق عليه عين المتصدق و ليس في الإخفاء أخفى من هذا فلم تعلم شماله ما أنفقته يمينه هذا هو عين ذلك

[خصائص الحق المستظلون بظل العرش]

و قد ذكر رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم ما قلناه من إخفاء الصدقة في الإبانة عن المنازل السبعة التي هي لخصائص الحق المستظلين يوم القيامة بظل عرش الرحمن لأنهم من أهل الرحمن

خرج البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّٰه عليه و سلم قال سبعة يظلهم اللّٰه في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 579
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست