اللّٰه عنه لما تحقق أن اللّٰه يريد التخفيف عن عبيده بوضع شطر الصلاة عنهم لم ير أن يتنقل موافقة لمقصود الحق في ذلك فهذا نفقة روحاني و أما من تنفل في السفر فرأى أن مقصود الحق إسقاط الفرضية لا إسقاط الصلاة التي يتطوع الإنسان فلو أتم المسافر لكان الغرض منها ركعتين و الباقي نافلة فإن اللّٰه ما فرض عليه إلا ركعتين على لسان رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم فلما لم ير هذا المتنفل إلا إسقاط الفرضية عنه لا التطوع بالصلاة تنفل في السفر و كان رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم تنفل في السفر على الراحلة فعلم القائل بهذا أن الغرض هو الذي قصد إسقاطه عنه و اقتدى برسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم في التنفل في السفر فإن اللّٰه قال لنا لَقَدْ كٰانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّٰهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ
[الصلوات المشروعة فروضا سننا]
فاعلم أن الصلوات المشروعة فرضا و سننا مؤكدة بين النافلة و الفريضة ثمانية كما إن الأعضاء المكلفة من الإنسان ثمانية لأن الذات مع نسبها المعبر عنها بالصفات ثمانية فهذه الثمانية هي الذات و الحياة و العلم و الإرادة و الكلام و القدرة و السمع و البصر و الإنسان المكلف ذات حية عالمة مريدة متكلمة قادرة سميعة بصيرة و أما الأعضاء المكلفة أعني التي بفعل الإنسان بها ما كلف إن يفعله أو يتركه فهي ثمانية الأذن و العين و اللسان و اليد و البطن و الفرج و الرجل و القلب و أما الصلوات الثمانية المشروع الفعل بها فرضا و سنة مؤكدة فالصلوات الخمس و الوتر من الليل و الجمعة و العيدان و الكسوف و الاستسقاء و الاستخارة و الصلاة على الجنائز
[الصلاة على رسول اللّٰه]
و أما الصلاة على رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم فدخلت في الدعاء فإن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم قد علمنا كيف نصلي عليه أي كيف ندعو له و قد أمرنا أن ندعو له بالوسيلة و المقام المحمود و نحن إن شاء اللّٰه نذكر في هذا الباب فصول هذه الصلوات كلها مكملة بشروطها و ما أتتبع ما تحوي عليه من التفاصيل فإن ذلك يطول و إنما أقصد إلى ذكر فصول تجري مجرى الأمهات كما عملنا في الطهارة إلى أن نستوفيها إن شاء اللّٰه
[رتبة الصلاة من قواعد الإيمان التي بني عليها الإسلام]
و الصلاة وقعت في الرتبة الثانية من قواعد الايمان التي بنى الإسلام عليها
في الخبر الصحيح عن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم أنه قال بنى الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا اللّٰه و إقام الصلاة و إيتاء الزكاة و صوم رمضان و الحج فعلم الصحابة أنه صلى اللّٰه عليه و سلم راعى الترتيب لما يدخل الواو من الاحتمال و لهذا لما قال بعض رواة هذا الحديث من الصحابة لما سرده فقال و الحج و صوم رمضان أنكر عليه و قال له و صوم رمضان و الحج فقدمه و علمنا أنه أراد الترتيب و نبه على إن لا ننقل عنه صلى اللّٰه عليه و سلم إلا عين ما تلفظ به فإنه من العلماء من يرى نقل الحديث المتلفظ به من النبي صلى اللّٰه عليه و سلم على المعنى فالصلاة ثانية في القواعد مشتقة من المصلي في الخيل و هو الذي يلي السابق في الحلبة و السابق في القواعد الشهادة و المصلي هي الصلاة و جعل الزكاة تلي الصلاة لأن الزكاة التطهير فناسبت الصلاة فإن الصلاة لا يقبلها اللّٰه بغير طهور و الزكاة تطهير الأموال قال تعالى قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّٰاهٰا يعني النفس التي سواها يريد قد أفلح من طهرها بامتثال أوامر اللّٰه و من شرط الصلاة طهارة الثياب و الأبدان و البقعة التي توقع الصلاة عليها و فيها كانت ما كانت و جعل الصوم يلي الزكاة لما شرع اللّٰه في صوم رمضان عند انقضائه من زكاة الفطر فلم يبق الحج إلا أن يكون آخرا و قد ذكرنا الشهادة التوحيدية و ذكرنا من الصلاة الطهارة التي لا تصح الصلاة إلا بها فلنذكر الطهارة إن شاء اللّٰه بهذا الباب و لنبدأ بالصلاة المفروضة و ما يلزمها و يتبعها من اللوازم و الشروط و الأركان في أفعالها و أقوالها ثم بعد ذلك أشرع في ذكر الصلوات التي تطلبها الأحوال و من اللّٰه نسأل التأييد و العون
[فصول في أوقات الصلاة]
(فصل في الأوقات)
[تعريف الوقت من حيث هو]
و لا أعني بالكلام هنا في الأوقات أوقات الصلوات فقط و إنما أريد الوقت من حيث ما هو وقت سواء كان لعبادة أو غير عبادة فإذا عرفناك بمعناه و اعتباره حينئذ نشرع في ذكر الأوقات المشروعة للعبادات فنقول الوقت عبارة عن التقدير في الأمر الذي لا يقبل وجود عين ما يقدر و هو الفرض كما تقدر أو نفرض في الشكل الكري أولا أو وسطا أو نهاية و هو في نفسه و عينه لا يقبل الأولية بالفعل و لا الوسط و لا لآخرية فيجعل له من ذلك ما نجعله بحكم الفرض فيه و التقدير فالوقت فرض مقدر في الزمان لما كان الزمان مستديرا كما خلقه اللّٰه في ابتدائه فهو كالأكرة
قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلقه اللّٰه فذكر إن اللّٰه خلقه مستديرا و الأوقات فيه مقدرة