responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 273



و كذا الهبات من العلوم لدى المحقق في البلس
لله قوم ما لهم في نفس نفسهم نفس
و هم الذين هموهم أهل المشاهد في الغلس
شفهم الخلائف في الغيوب و في الشهادة كالعسس
أعلى الإله مقامهم في سورة تتلى عبس
فيها لطائف سرهم فابحث و لا تك تختلس
من كان ذا علم بها في حاله لم يبتئس

[الورع في المكاسب على أشد ما يكون من عزائم الشريعة]

اعلم أيدك اللّٰه بروح القدس أن رجال هذا الباب هم الزهاد الذين كان الورع سبب زهدهم و ذلك أن القوم تورعوا في المكاسب على أشد ما يكون من عزائم الشريعة فكلما حاك له في نفوسهم شيء تركوه عملا على

قوله صلى اللّٰه عليه و سلم دع ما يريبك إلى ما لا يريبك و

قوله استفت قلبك و قال بعضهم ما رأيت أسهل علي من الورع كل ما حاك له في نفسي شيء تركته إلى أن جعل اللّٰه لهم علامات يعرفون بها الحلال من الحرام في المطاعم و غيرها إلى أن ارتقوا عن العلامات إلى خرق العوائد عندهم في الشيء المتورع فيه فيستعملونه فيظن من لا علم له بذلك أنه أتى حراما و ليس كذلك فاتسع عليهم ذلك الضيق و الحرج و قد ذقنا هذا من نفوسنا و زال عنهم ما كانوا يجدونه في نفوسهم من البحث و التفتيش عن ذلك و هذه العلامة و هذا الحال التي ارتقوا إليها لا تكون أبدا إلا من نفس الرحمن رحمهم بذلك الرحمن لما رآهم فيه من التعب و الضيق و الحرج و تهمة الناس في مكاسبهم و ما يؤديهم إليه هذا الفعل من سوء الظن بعباد اللّٰه فنفس الرحمن عنهم بما جعل لهم من العلامات في الشيء و في حق قوم بالمقام الذي ارتقوا إليه الذي ذكرناه فيأكلون طيبا و يستعملون طيبا فالطيبات للطيبين و الطيبون للطيبات و استراحوا إذ كانوا على بينة من ربهم في مطاعمهم و مشاربهم و أداهم التحقق بالورع إلى الزهد في الكسب إذ كان مبني اكتسابهم الورع ليأكلوا مما يعلمون أن ذلك حلال لهم استعماله ثم عملوا على ذلك الورع في المنطق من أجل الغيبة و الكلام فيما يخوض الإنسان فيه من الفضول فرأوا أن السبب الموجب لذلك مجالسة الناس و معاشرتهم و ربما قدروا على مسك نفوسهم عن الكلام بما لا ينبغي

[العزلة و الانقطاع عن الناس]

لكن بعضهم أو أكثرهم عجز أن يمنع الناس بحضوره عن الكلام بالفضول و ما لا يعنيهم فأداهم أيضا هذا الحرج إلى الزهد في الناس فآثروا العزلة و الانقطاع عن الناس باتخاذ الخلوات و غلق بابهم عن قصد الناس إليهم و آخرون بالسياحة في الجبال و الشعاب و السواحل و بطون الأودية فنفس اللّٰه عنهم من اسمه الرحمن بوجوه مختلفة من الأنس به أعطاهم ذلك نفس الرحمن فأسمعهم أذكار الأحجار و خرير المياه و هبوب الرياح و مناطق الطير و تسبيح كل أمة من المخلوقات و محادثتهم معه و سلامهم عليه فآنس بهم من وحشته و عاد في جماعة و خلق ما لهم كلام إلا في تسبيح أو تعظيم أو ذكر آلاء إلهية أو تعريف بما ينبغي و هو جليس لهم و يسمع جوارحه و كل جزء فيه يكلمه بما أنعم اللّٰه عليه به فتغمره النعم فيزيد في العبادة و منهم من ينفس عنه بالأنس بالوحوش رأينا ذلك فتغدو عليه و تروح مستأنسة به و تكلمه بما يزيده حرصا على عبادة ربه

[الروحانيون من الجان و مخالطتهم أهل العزلة]

و منهم من يجالسه الروحانيون من الجان و لكن هو دون الجماعة في الرتبة إذا لم يكن له حال سوى هذا لأنهم قريب من الأنس في الفضول و الكيس من الناس من يهرب منهم كما يهرب من الناس فإن مجالستهم رديئة جدا قليل أن تنتج خيرا لأن أصلهم نار و النار كثيرة الحركة و من كثرت حركته كان الفضول أسرع إليه في كل شيء فهم أشد فتنة على جليسهم من الناس فإنهم قد اجتمعوا مع الناس في كشف عورات الناس التي ينبغي للعاقل أن لا يطلع عليها غير أن الإنس لا تؤثر مجالسة الإنسان إياهم تكبرا و مجالسة الجن ليست كذلك فإنهم بالطبع يؤثرون في جليسهم التكبر على الناس و على كل عبد لله و كل عبد لله رأى لنفسه شفوفا على غيره تكبرا فإنه يمقته اللّٰه في نفسه من حيث لا يشعر و هذا من المكر الخفي و عين مقت اللّٰه إياه هو ما يجده من التكبر على من ليس له مثل هذا و يتخيل أنه في الحاصل و هو في الفائت ثم اعلم أن الجان هم أجهل العالم الطبيعي بالله و يتخيل جليسهم بما يخبرونه به من حوادث الأكوان و ما يجري في العالم مما

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 273
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست