responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 248



و ما ظفرت كفكم بالذي تريد فيا خيبة السائل
فلو كان فعلك في أمره كفعل الفتى الحذر الواجل
لميزت بيني و بين الذي يجلي لك الحق كالباطل

[فجآت الحق لمن خلا به في سره]

يقول اللّٰه تعالى وَ تَرَى النّٰاسَ سُكٰارىٰ وَ مٰا هُمْ بِسُكٰارىٰ و ذلك أن لله قوما كانت عقولهم محجوبة بما كانوا عليه من الأعمال التي كلفهم الحق تعالى في كتابه و على لسان رسوله صلى اللّٰه عليه و سلم التصرف فيها شرعا و شرعها لهم و لم يكن لهم علم بأن لله تعالى الحق فجأة لمن خلا به في سره و أطاعه في أمره و هيأ قلبه لنوره من حيث لا يشعر ففجأه الحق على غفلة منه بذلك و عدم علم و استعداد لهائل أمر فذهب بعقله في الذاهبين و أبقى تعالى ذلك الأمر الذي فجأه مشهودا له فهام فيه و مضى معه فبقي في عالم شهادته بروحه الحيواني يأكل و يشرب و يتصرف في ضروراته الحيوانية تصرف الحيوان المفطور على العلم بمنافعه المحسوسة و مضاره من غير تدبير و لا روية و لا فكر ينطق بالحكمة و لا علم له بها و لا يقصد نفعك بها لتتعظ و تتذكر أن الأمور ليست بيدك و أنك عبد مصرف بتصريف حكيم و سقط التكليف عن هؤلاء إذ ليس لهم عقول يقبلون بها و لا يفقهون بها تَرٰاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَ هُمْ لاٰ يُبْصِرُونَ خذ العفو أي القليل مما يجري اللّٰه على ألسنتهم من الحكم و المواعظ

[عقلاء المجانين من أهل اللّٰه]

و هؤلاء هم الذين يسمون عقلاء المجانين يريدون بذلك أن جنونهم ما كان سببه فساد مزاج عن أمر كوني من غذاء أو جوع أو غير ذلك و إنما كان عن نجل إلهي لقلوبهم و فجأة من فجآت الحق فجأتهم فذهبت بعقولهم فعقولهم محبوسة عنده منعمة بشهوده عاكفة في حضرته متنزهة في جماله فهم أصحاب عقول بلا عقول و عرفوا في الظاهر بالمجانين أي المستورين عن تدبير عقولهم فلهذا سموا عقلاء المجانين قيل لأبي السعود بن الشبل البغدادي عاقل زمانه ما تقول في عقلاء المجانين من أهل اللّٰه فقال رضي اللّٰه عنه هو ملاح و العقلاء منهم أملح قيل له فبما ذا نعرف مجانين الحق من غيرهم فقال مجانين الحق تظهر عليهم آثار القدرة و العقلاء يشهد الحق بشهودهم أخبرني بذلك عنه صاحبه أبو البدر التماسكي رحمه اللّٰه و كان ثقة ضابطا عارفا بما ينقل لا يجعل فاء مكان واو فقال الشيخ من شاهد ما شاهدوا و أبقى عليه عقله فذلك أحسن و أمكن فإنه قد أقيم و أعطى من القوة قريبا مما أعطيت الرسل

[تجلى الرب و تدكدك جبل القلب]

و إن تغيروا في وقت الفجئات فقد علمنا

أن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم لما فجأه الوحي جئت منه رعبا فأتى خديجة ترجف بوادره فقال زملوني زملوني و ذلك من تجلى ملك فكيف به بتجلى ملك فَلَمّٰا تَجَلّٰى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَ خَرَّ مُوسىٰ صَعِقاً و

كان رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم إذا جاءه الوحي و نزل الروح الأمين به على قلبه أخذ عن حسه و سجي و رغا كما يرغو البعير حتى ينفصل عنه و قد وعى ما جاءه به فيلقيه على الحاضرين و يبلغه للسامعين فمواجده صلى اللّٰه عليه و سلم من تجليات ربه على قلبه أعظم سطوة من نزول ملك و وارد في الوقت الذي لم يكن يسعه فيه غير ربه و لكن كان منتظرا مستعدا لذلك الهول و مع هذا يؤخذ عن نفسه فلو لا أنه رسول مطلوب بتبليغ الرسالة و سياسة الأمة لذهب اللّٰه بعقول الرسل لعظيم ما يشاهدونه فمكنهم اللّٰه القوي المتين من القوة بحيث يتمكنون من قبول ما يرد عليهم من الحق و يوصلونه إلى الناس و يعملون به

[مراتب الناس في قبول الواردات الإلهية]

فاعلم إن الناس في هذا المقام على إحدى ثلاث مراتب منهم من يكون وارده أعظم من القوة التي يكون في نفسه عليها فيحكم الوارد عليه فيغلب عليه الحال فيكون بحكمه يصرفه الحال و لا تدبير له في نفسه ما دام في ذلك الحال فإن استمر عليه إلى آخر عمره فذلك المسمى في هذه الطريقة بالجنون كأبي عقال المغربي و منهم من يمسك عقله هناك و يبقى عليه عقل حيوانيته فيأكل و يشرب و يتصرف من غير تدبير و لا روية فهؤلاء يسمون عقلاء المجانين لتناولهم العيش الطبيعي كسائر الحيوانات و أما مثل أبي عقال فمجنون مأخوذ عنه بالكلية و لهذا ما أكل و ما شرب من حين أخذ إلى أن مات و ذلك في مدة أربع سنين بمكة فهو مجنون أي مستور مطلق عن عالم حسه و منهم من لا يدوم له حكم ذلك الوارد فيزول عنه الحال فيرجع إلى الناس بعقله فيدبر أمره و يعقل ما يقول و يقال له و يتصرف عن تدبير و روية مثل كل إنسان و ذلك هو النبي و أصحاب الأحوال من الأولياء و منهم من يكون وارده و تجليه مساويا لقوته فلا يرى عليه أثر من ذلك حاكم لكن يشعر عند ما يبصران ثم أمرا ما طرأ عليه

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 248
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست