responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 246

فهم مقاصد الشرع فجروا معه على مقصده و ذلك من بركة الورع و الاحترام الذي احترموا به الجناب الإلهي حقيقة لا مجازا فتح اللّٰه لهم بأدبهم عين الفهم في كتبه و فيما جاءت به رسله مما لا تستقل العقول بإدراكه و ما تستقل لكن أخذوه عن اللّٰه لا عن نظرهم ففهموا من ذلك كله بهذه العناية ما لم يفهم من لم يتصف بهذه لصفة و لم يكن له هذا المقام

[الاستتار بالأسباب الموضوعة في العالم]

و لما كان هذا حال الورعين سلكوا في أمورهم و حركاتهم مسالك العامة فلم يظهر عليهم ما يتميزون به عنهم و استتروا بالأسباب الموضوعة في العالم التي لا يقع الثناء بها على من تلبس بها فلم ينطق على هؤلاء الرجال في العموم اسم صلاح يخرجهم عن صلاح العامة و لا توكل و لا زهد و لا ورع و لا شيء مما يقع عليه اسم ثناء خاص يخرجون به عن العامة و يشار إليهم فيه مع أنهم أهل ورع و توكل و زهد و خلق حسن و قناعة و سخاء و إيثار فأمثال هذا كله اجتنب رجال اللّٰه من هؤلاء الطبقة فسموا ورعين في اصطلاح أهل اللّٰه لأن الورع الاجتناب

[في القلوب عصمة و ستر]

و تدبر ما أحسن قول من أوتي جوامع الكلم صلى اللّٰه عليه و سلم كيف قال في هذا المقام يعلم رجاله كيف يكونون فيه

دع ما يريبك إلى ما لا يريبك و

قال استفت قلبك و إن أفتاك المفتون فأحالهم على قلوبهم لما علم ما فيها من سر اللّٰه الحاوية عليه في تحصيل هذا المقام ففي القلوب عصمة إلهية لا يشعر بها إلا أهل المراقبة و فيه ستر لهم فإن هؤلاء الرجال لو سألوا و عرف منهم البحث و التفتيش في مثل هذا عند الناس و عند العلماء الذين سألوا في ذلك بالضرورة كان يشار إليهم و يعتقد فيهم الذين الخالص كبشر الحافي و غيره و هو من أقطاب هذا المقام عرف به و سلم له حكي أن أخت بشر الحافي سألت أحد أئمة الدين في الغزل الذي تغزله في ضوء مشاغل الظاهرية إذا مروا بها ليلا و هي على سطحها فعرفت بهذا السؤال أنها من أهل الورع و لو عملت على حديث استفت قلبك لعلمت أنها ما سألت حتى رابها فكانت تدع ذلك الغزل أو لا تغزل بعد ذلك و تترك الغزل فأفتاها الإمام المسئول و هو أحمد بن حنبل و أثنى عليها بذلك حتى نقل إلينا و سطر في الكتب

[الدين الخالص الذي لله]

فأعطانا صلى اللّٰه عليه و سلم الميزان في قلوبنا ليكون مقامنا مستورا عن الأغيار خالصا لله مخلصا لا يعلمه إلا اللّٰه ثم صاحبه و هو قوله أَلاٰ لِلّٰهِ الدِّينُ الْخٰالِصُ فكل دين وقع فيه ضرب من الاشتراك المحمود أو المذموم فما هو بالدين الخالص الذي لله إن كان الذي وقع به الاشتراك محمودا كمثلة أخت بشر الحافي و إن وقع الاشتراك بالمذموم فليس بدين أصلا فإنه ليس ثم دين إلهي يتعلق به لسان ذم فلما رأى رجال هذا المقام مراعاة النبي صلى اللّٰه عليه و سلم ما يحصل في قلب العبد مما قاله و ما أحال به لإنسان على نفسه باجتنابه طلبا للتستر تعملوا في تحصيل ذلك و سلكوا عليه و علموا إن النجاة المطلوبة من الشارع لنا إنما هي في ستر المقام فأعطاهم العمل على هذا و التحقق به الحقيقة الإلهية التي استندوا إليها في ذلك و هو اجتنابه التجلي منه سبحانه لعموم عباده في الدنيا فاقتدوا بربهم في احتجاجه عن خلقه فعلم هؤلاء الرجال أن هذه الدار دار ستر و أن اللّٰه ما اكتفى في التعريف بالدين حتى نعته بالخالص فطلبوا طريقا لا يشوبهم فيها شيء من الاشتراك حتى يعاملوا الموطن بما يستحقه أدبا و حكمة و شرعا و اقتداء فاستتروا عن الخلق بحنن الورع الذي لا يشعر به و هو ظاهر الدين و العلم المعهود فإنهم لو سلكوا غير المعهود في الظاهر في العموم من الدين لتميزوا و جاء الأمر على خلاف ما قصدوه فكانت أسماؤهم أسماء العامة

[المقام المجهول في العامة]

فهؤلاء الرجال يحمدهم اللّٰه و تحمدهم الأسماء الإلهية القدسية و يحمدهم الملائكة و يحمدهم الأنبياء و الرسل و يحمدهم الحيوان و النبات و الجماد و كل شيء يسبح بحمد اللّٰه : و أما الثقلان فيجهلونهم إلا أهل التعريف الإلهي فإنهم يحمدونهم و لا يظهرونهم و أما غير أهل التعريف الإلهي من الثقلين فهم فيهم مثل ما هم في حق العامة يذكرونهم بحسب أغراضهم فيهم لا غير فلهم المقام المجهول في العامة أما ثناء اللّٰه عليهم فلتعملهم استخلاصهم لله فخلصوا له دينه فأثنى عليهم حيث لم يملكهم كون و لا حكم على عبوديتهم رب غير اللّٰه و أما ثناء الأسماء الإلهية عليهم فكونهم تلقوها و علموا تأثيرها و ما أثروا بها في كون من الأكوان فيذكرون بذلك الأمر الذي هو لذلك الاسم الإلهي فيكون حجابا على ذلك الاسم فلما لم يفعلوا ذلك و أضافوا الأثر الصادر على أيديهم للاسم الإلهي الذي هو صاحب الأثر على الحقيقة حمدتهم الأسماء الإلهية بأجمعها و أما ثناء الملائكة فلأنهم ما زاحموهم فيما نسبوه إلى أنفسهم بالنسبة لا بالفعل في قولهم نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَ نُقَدِّسُ لَكَ فقال هؤلاء الرجال لا حول و لا قوة إلا بك فلم يدعوا في شيء مما هم علمه من

نام کتاب : الـفتوحات المکیة نویسنده : ابن عربي، محيي الدين    جلد : 1  صفحه : 246
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست