اعلم أن سعة
القياس تبيح [١] لهم ذلك ، ولا تحظره عليهم ؛ ألا ترى أن لغة التميميين
فى ترك إعمال (ما) يقبلها [٢] القياس ، ولغة الحجازيين فى إعمالها كذلك ؛ لأن لكل
واحد من القومين ضربا من القياس يؤخذ به ، ويخلد إلى مثله. وليس لك أن تردّ إحدى
اللغتين بصاحبتها ؛ لأنها ليست أحقّ بذلك من رسيلتها [٣]. لكن غاية مالك فى ذلك أن تتخيّر إحداهما ، فتقوّيها
على أختها ، وتعتقد أن أقوى القياسين أقبل لها ، وأشدّ أنسا بها. فأمّا ردّ
إحداهما بالأخرى فلا. أولا ترى إلى قول النبى صلىاللهعليهوسلم : «نزل القرآن بسبع لغات كلها كاف شاف» [٤]. هذا حكم اللغتين إذا كانتا فى الاستعمال والقياس
متدانيتين متراسلتين ، أو كالمتراسلتين.
فأمّا أن تقلّ
إحداهما جدا وتكثر [٥] الأخرى جدّا فإنك تأخذ بأوسعهما رواية ، وأقواهما قياسا
؛ ألا تراك لا تقول : مررت بك ولا المال لك ، قياسا على قول قضاعة : المال له
ومررت به ، ولا تقول أكرمتكش [ولا أكرمتكس] قياسا على لغة من قال : مررت بكش ،
وعجبت منكس.
حدّثنا أبو بكر
محمد بن الحسن [٦] ، عن أبى العباس أحمد بن يحيى
[٤] أخرجاه فى الصحيحين
بلفظ : «أنزل القرآن على سبعة أحرف». وسيأتى.
[٥] فى النسخة
المطبوعة : «وتكثر» وما أثبت من بعض النسخ.
[٦]محمد بن الحسن :
لعله محمد بن الحسن بن مقسم فهو من تلاميذ ثعلب ، وهو محمد بن الحسن بن يعقوب بن
الحسن بن الحسين بن محمد بن سليمان بن داود بن عبيد الله بن مقسم ؛ أبو بكر المقرى
العطار ، قال لخطيب البغدادى : وكان ثقة ، وقال السيوطى : وكان ثقة من أعرف الناس
بالقراءات وأحفظهم لنحو الكوفيين ولم يكن فيه عيب إلا أنه قرأ بحروف تخالف الإجماع
، واستخرج لها وجوها من اللغة. له من التصانيف : الأنوار فى تفسير القرآن ،
الاحتجاج فى القراءات ، كتاب فى النحو كبير ، مجالسات تعلب. تاريخ بغداد ٢ / ٢٠٢ ،
وبغية الوعاة ١ / ٨٩ ، وانظر تاريخ بغداد ٥ / ٤١٤.