والحق. فإن كنتم على
ذلك فقد جئتكم ، فأعطوني ما أطمئن إليكم من عهودكم ومواثيقكم ، وإن لم تفعلوا
وكنتم لقدومي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي جئت منه إليكم». فسكتوا عنه ولم
يتكلّم أحد منهم بكلمة ، فقال للمؤذن : «أقم». فأقام الصلاة ، فالتفت الحسين (عليه
السّلام) إلى الحرّ وقال له : «أتريد أن تصلّي بأصحابك؟». قال : لا ، بل تصلّي أنت
ونصلّي بصلاتك. فصلّى الحسين بهم جميعاً. ولمّا فرغ من صلاته دخل خباءه فاجتمع
إليه أصحابه ، وانصرف الحرّ إلى مكانه المعدّ له فدخل خيمته واجتمع إليه جماعة من
أصحابه ، وعاد الباقون إلى صفّهم الذي كانوا فيه فأعادوه ، ثمّ أخذ كلّ رجل منهم
بعنان دابته وجلس في ظلّها. ولمّا كان وقت العصر أمر الحسين (عليه السّلام) أصحابه
أن يتهيؤوا للصلاة ففعلوا ، ثمّ أمر مناديه فنادى بالعصر وأقام ، فتقدّم الحسين (عليه
السّلام) فصلّى ، ثمّ سلّم وانصرف إليهم بوجهه فحمد الله وأثنى عليه ، ثمّ قال : «أمّا
بعد أيها الناس ، فإنّكم إن تتّقوا الله وتعرفوا الحقّ لأهله تكن أرضى لله عليكم ،
ونحن أهل بيت محمد (صلّى الله عليه وآله) ، وأولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء
المدّعين ما ليس لهم ، والسائرين فيكم بالجور والعدوان ، وإن أبيتم إلاّ كراهية
لنا والجهل بحقّنا ، وكان رأيكم الآن غير ما أتتني به كتبكم ، وقدمت به عليّ رسلكم
انصرفت عنكم». فقال الحرّ : أنا والله ما أدري ما هذه الكتب والرسل التي تذكرها. فنادى
الحسين (عليه السّلام) برجل من أصحابه ، «يا عقبة بن سمعان ، اخرج الخرجين الذين
فيهما كتبهم إليّ». فأخرج عقبة خرجين مملؤين صحفاً فنثرت بين يديه ، فقال الحرّ : إنّا
لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك ، وقد أُمرنا إذا نحن لقيناك أن لا نفارقك حتّى
نقدمك الكوفة على عبيد الله بن زياد. فقال الحسين (عليه السّلام) : «الموت أدنى
إليك من ذلك». ثمّ قال لأصحابه : «قوموا واركبوا». فركبوا وانتظروا حتّى ركبت
العائلة ، فقال (عليه السّلام) لأصحابه : «انصرفوا». فلمّا ذهبوا لينصرفوا حال
القوم بينهم وبين الانصراف ، فقال الحسين (عليه السّلام) للحرّ : «ثكلتك أمّك! ما
تريد؟». فقال الحرّ : أما لو غيرك من العرب قالها لي وهو على مثل هذا الحال التي
أنت عليها ما تركت ذكر اُمّه بالثكل كائناً مَنْ كان ، ولكن والله ، ما لي إلى ذكر
اُمّك من سبيل إلاّ بأحسن ما نقدر عليه.