وأمّا العاطفة فهي
خارجة عن البحث ، لأنّ الغاية فيها داخلة تحت حكم المغيّى قطعا، كما إذا قال : مات
الناس حتى الأنبياء ، فإنّ معناه أنّ الأنبياء ماتوا أيضا ، والغرض من ذكر الغاية
هو بيان أنّه إذا كان الفرد الفائق على سائر أفراد المغيّى ، محكوما بالموت فكيف
حال الآخرين ، ونظيره القول المعروف : مات كلّ أب حتى آدم.
إذا عرفت ذلك
فالحقّ هو القول الأوّل ، أي عدم دخول الغاية في حكم المغيّى أخذا بالتبادر في مثل
المقام ، قال سبحانه : (تَنَزَّلُ
الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ* سَلامٌ
هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) (القدر / ٤ و ٥)
فإنّ المتبادر منه أنّ النزول أو السلام إلى مطلع الفجر لا فيه نفسه ولا بعده ،
وكقول القائل : قرأت القرآن إلى سورة الإسراء ، فإنّ المتبادر خروج الإسراء عن
إخباره بالقراءة ، فإن تمّ ما ذكرنا من التبادر فهو ، وإلاّ فالقول الرابع هو
الأقوى من أنّه لا ظهور لنفس التقييد بالغاية في دخولها في المغيّى ولا في عدمه.
الجهة الثانية :
في مفهوم الغاية والظاهر دلالة الجملة على ارتفاع الحكم عمّا بعد الغاية وحتى عن
الغاية أيضا إذا قلنا بعدم دخولها في حكم المغيّى ، لأنّ المتفاهم العرفي في أمثال
المقام هو تحديد الواجب وتبيين ما هو الوظيفة في مقام التوضّؤ ، ويؤيد ما ذكرنا
تبادر المفهوم في أكثر الآيات الواردة فيها حتى الخافضة كقوله سبحانه : (كُلُوا
وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ
الْأَسْوَدِ) (البقرة / ١٨٧)
وقال : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ
فِتْنَةٌ) (البقرة / ١٩٣)
فانّ المتبادر منها هو حصر الحكم إلى حدّ الغاية وسريان خلافه إلى ما بعدها.
نام کتاب : الموجز في أصول الفقه نویسنده : السبحاني، الشيخ جعفر جلد : 1 صفحه : 95