وأقول : هذا
غاية ما يمكن أن يحتجّ به لهذا القول ، وقد اشتمل على وجوه ثلاثة لا أرى واحدا
منها سليما من جرح المناقشة.
أمّا الأوّل :
أعني التمسّك بالأصل ، فلأنّه لا معنى له في مثل هذا المقام ؛ لمعارضة أصالة بقاء
النجاسة له ، ولو فرض وجود دليل يصلح مخرجا عنها لكان هو الحجّة.
وأمّا الثاني :
وهو عدم تحقّق الامتزاج ، فلأنّ محصّله انحصار ما يحتمل إرادته منه في أمرين :
أحدهما :
امتزاج مجموع أجزاء المطهّر بمجموع أجزاء المطهّر. ولا سبيل إلى العلم به على
تقدير امكان حصوله ، فلا يجوز جعله مناطا للحكم الشرعي.
والثاني :
امتزاج البعض بالبعض ، وحينئذ فالبعض الغير الممتزج : إما أن يقال بعدم طهارته وهو
باطل قطعا ؛ إذ الاتفاق واقع على أنّه ليس وراء الامتزاج المذكور شرط آخر لطهر
الجميع ، أو يقال بطهارته بمجرّد الاتصال ، فيلزم القول به مطلقا ؛ إذا الفرق بين
الأبعاض غير معقول ، فيكون اعتبار الامتزاج على هذا التقدير مستلزما لعدم اعتباره
وهو ظاهر الفساد.
ويرد عليه :
أنّا نختار إرادة امتزاج البعض ، وأنّ الباقي يطهر حينئذ ، ويمنع اقتضاء ذلك ؛
للاكتفاء بالاتّصال مطلقا.
وتحقيق الحال :
أنّ الحكم بالطّهارة وعدمها تابع للدلالة الشرعيّة ، وليس للعقل فيه مدخل. ونحن
إنّما حكمنا بطهر الأجزاء الباقية بغير امتزاج من الماء [١] الممتزج ظاهرا
لقيام الدليل عليه ـ وهو الاتفاق على حصول الطهارة للمجموع حينئذ كما ذكرتموه ـ فإنّه
يستلزم الحكم بطهارة الأجزاء وإن لم يحصل فيها