نام کتاب : نهج البلاغة - ط مطبعة الإستقامة نویسنده : عبده، محمد جلد : 2 صفحه : 233
وبالسّمع صمما ، وبالحركات
سكونا ، فكأنّهم فى ارتجال الصّفة صرعى سبات [١]
، جيران لا يتآنسون ، وأحبّاء لا يتزاورون ، بليت بينهم عرى التّعارف [٢] ، وانقطعت منهم أسباب الإخاء ، فكلّهم
وحيد وهم جميع ، وبجانب الهجر وهم أخلاّء ، لا يتعارفون لليل صباحا ، ولا لنهار
مساء ، أىّ الجديدين ظعنوا فيه كان عليهم سرمدا [٣] ، شاهدوا من أخطار دارهم أفظع ممّا
خافوا ، ورأوا من آياتها أعظم ممّا قدّروا ، فكلتا الغايتين مدّت لهم إلى مباءة [٤] ،
فأتت مبالغ الخوف والرّجاء ، فلو كانوا ينطقون بها لعيوا بصفة ما شاهدوا وما
عاينوا [٥] ، ولئن عميت آثارهم
، وانقطعت أخبارهم ، لقد رجعت فيهم أبصار العبر [٦] ،
وسمعت عنهم آذان العقول ، وتكلّموا من غير جهات النّطق ،
[١] ارتجال الصفة : وصف
الحال بلا تأمل فالوصف لهم باول النظر يظنهم صرعوا من السبات ـ بالضم ـ أى : النوم
[٢] العرى : جمع
عروة ، وهى مقبض الدلو والكوز مثلا ، وبليت : رثت وفنيت. والمراد زوال نسبة
التعارف بينهم
[٣] الجديدان : الليل
والنهار ، فان ذهبوا فى نهار فلا يعرفون له ليلا ، أو فى ليل فلا يعرفون له نهارا
[٤] الغايتان : الجنة والنار
، والمباءة : مكان التبوؤ والاستقرار ، والمراد منها ما يرجعون إليه فى الآخرة ، و
«قد مدت الغاية» أى : أخرت عنه فى الدنيا إلى مرجع يفوق فى سعادته أو شقائه كل
غاية سما إليها الخوف والرجاء.