قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَ اللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ تَبّاً لَكُمْ فَانْظُرُوا اللَّعْنَةَ وَ الْعَذَابَ- فَكَأَنْ قَدْ حَلَّ بِكُمْ وَ تَوَاتَرَتْ مِنَ السَّمَاءِ نَقِمَاتٌ فَيُسْحِتُكُمْ بِمَا كَسَبْتُمْ[1] وَ يُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ثُمَّ تَخْلُدُونَ فِي الْعَذَابِ الْأَلِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِمَا ظَلَمْتُمُونَا أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ وَيْلَكُمْ أَ تَدْرُونَ أَيَّةُ يَدٍ طَاعَنَتْنَا مِنْكُمْ؟ أَوْ أَيَّةُ نَفْسٍ نَزَعَتْ إِلَى قِتَالِنَا؟ أَمْ بِأَيَّةِ رِجْلٍ مَشَيْتُمْ إِلَيْنَا؟ تَبْغُونَ مُحَارَبَتَنَا قَسَتْ قُلُوبُكُمْ وَ غَلُظَتْ أَكْبَادُكُمْ وَ طُبِعَ عَلَى أَفْئِدَتِكُمْ وَ خُتِمَ عَلَى سَمْعِكُمْ وَ بَصَرِكُمْ وَ سَوَّلَ لَكُمُ الشَّيْطَانُ وَ أَمْلَى لَكُمْ وَ جَعَلَ عَلَى بَصَرِكُمْ غِشَاوَةً فَأَنْتُمْ لَا تَهْتَدُونَ تَبّاً لَكُمْ يَا أَهْلَ الْكُوفَةِ كَمْ تِرَاتٍ لِرَسُولِ اللَّهِ ص قِبَلَكُمْ وَ ذُحُولَهُ لَدَيْكُمْ ثُمَّ غَدَرْتُمْ بِأَخِيهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ع جَدِّي وَ بَنِيهِ عِتْرَةِ النَّبِيِّ الطَّيِّبِينَ الْأَخْيَارِ وَ افْتَخَرَ بِذَلِكَ مُفْتَخِرٌ فَقَالَ-
نَحْنُ قَتَلْنَا عَلِيّاً وَ بَنِي عَلِيٍ
بِسُيُوفٍ هِنْدِيَّةٍ وَ رِمَاحٍ
وَ سَبَيْنَا نِسَاءَهُمْ سَبْيَ تُرْكٍ
وَ نَطَحْنَاهُمْ فَأَيَّ نِطَاحٍ
- فَقَالَتْ بِفِيكَ أَيُّهَا الْقَائِلُ الْكَثْكَثُ[2] وَ لَكَ الْأَثْلَبُ[3] افْتَخَرْتَ بِقَتْلِ قَوْمٍ زَكَّاهُمُ اللَّهُ وَ طَهَّرَهُمْ وَ أَذْهَبَ عَنْهُمُ الرِّجْسَ فَاكْظَمْ وَ أَقْعِ كَمَا أَقْعَى أَبُوكَ وَ إِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ حَسَدْتُمُونَا وَيْلًا لَكُمْ عَلَى مَا فَضَّلَنَا اللَّهُ-
فَمَا ذَنْبُنَا أَنْ جَاشَ دهر [دَهْراً] بُحُورُنَا
وَ بَحْرُكَ سَاجٍ لَا يُوَارِي الدَّعَامِصَا[4]
ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ قَالَ فَارْتَفَعَتِ الْأَصْوَاتُ بِالْبُكَاءِ وَ قَالُوا حَسْبُكِ يَا بِنْتَ الطَّيِّبِينَ فَقَدْ أَحْرَقْتِ قُلُوبَنَا وَ أَنْضَجْتِ نُحُورَنَا وَ أَضْرَمْتِ أَجْوَافَنَا فَسَكَتَتْ عَلَيْهَا وَ عَلَى أَبِيهَا وَ جَدِّهَا السَّلَامُ.
خطبة زينب بنت علي بن أبي طالب بحضرة أهل الكوفة في ذلك اليوم تقريعا لهم و تأنيبا
عَنْ حِذْيَمِ بْنِ شَرِيكٍ الْأَسَدِيِ[5] قَالَ: لَمَّا أَتَى عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ زَيْنُ الْعَابِدِينَ بِالنِّسْوَةِ مِنْ كَرْبَلَاءَ وَ كَانَ مَرِيضاً وَ إِذَا نِسَاءُ أَهْلِ الْكُوفَةِ يَنْتَدِبْنَ مُشَقَّقَاتِ الْجُيُوبِ وَ الرِّجَالُ مَعَهُنَّ يَبْكُونَ-
[1] يسحتكم: يستأصلكم.
[2] الكثكث: دقاق التراب.
[3] الأثلب: دقاق الحجر.
[4] الدعامص- جمع دعموص- و هو دويبة صغيرة تكون في مستنقع الماء، و البيت للأعشى.
[5] حذيم بن شريك الأسدي: عده الشيخ في رجاله ص 88 من أصحاب الإمام عليّ بن الحسين عليه السلام.