وَ مَا يَجْرِي مَجْرَاهَا مِنْ مَالِ الْفَيْءِ فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ هَلْ بَقِيَ لِرَبِّكَ عَلَيْنَا بَعْدَ الَّذِي فَرَضَهُ شَيْءٌ آخَرُ يَفْتَرِضُهُ فَتَذْكُرَهُ لِتَسْكُنَ أَنْفُسُنَا إِلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ غَيْرُهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ يَعْنِي الْوَلَايَةَ وَ أَنْزَلَ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ- وَ لَيْسَ بَيْنَ الْأُمَّةِ خِلَافٌ أَنَّهُ لَمْ يُؤْتِ الزَّكَاةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ وَ هُوَ رَاكِعٌ غَيْرُ رَجُلٍ وَ لَوْ ذَكَرَ اسْمَهُ فِي الْكِتَابِ لَأُسْقِطَ مَعَ مَا أُسْقِطَ مِنْ ذِكْرِهِ وَ هَذَا وَ مَا أَشْبَهَهُ مِنَ الرُّمُوزِ الَّتِي ذَكَرْتُ لَكَ ثُبُوتَهَا فِي الْكِتَابِ لِيَجْهَلَ مَعْنَاهَا الْمُحَرِّفُونَ فَيَبْلُغَ إِلَيْكَ وَ إِلَى أَمْثَالِكَ وَ عِنْدَ ذَلِكَ قَالَ اللَّهُ- الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً وَ أَمَّا قَوْلُهُ لِلنَّبِيِ وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ- وَ إِنَّكَ تَرَى أَهْلَ الْمِلَلِ الْمُخَالَفَةِ لِلْإِيمَانِ وَ مَنْ يَجْرِي مَجْرَاهُمْ مِنَ الْكُفَّارِ مُقِيمِينَ عَلَى كُفْرِهِمْ إِلَى هَذِهِ الْغَايَةِ وَ إِنَّهُ لَوْ كَانَ رَحْمَةً عَلَيْهِمْ لَاهْتَدَوْا جَمِيعاً وَ نَجَوْا مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ فَإِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى إِنَّمَا عَنَى بِذَلِكَ أَنَّهُ جَعَلَهُ سَبَباً لِإِنْظَارِ أَهْلِ هَذِهِ الدَّارِ لِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ قَبْلَهُ بُعِثُوا بِالتَّصْرِيحِ لَا بِالتَّعْرِيضِ وَ كَانَ النَّبِيُّ مِنْهُمْ إِذَا صَدَعَ بِأَمْرِ اللَّهِ وَ أَجَابَهُ قَوْمُهُ سَلِمُوا وَ سَلِمَ أَهْلُ دَارِهِمْ مِنْ سَائِرِ الْخَلِيقَةِ وَ إِنْ خَالَفُوهُ هَلَكُوا وَ هَلَكَ أَهْلُ دَارِهِمْ بِالْآفَةِ الَّتِي كَانَ نَبِيُّهُمْ يَتَوَعَّدُهُمْ بِهَا وَ يُخَوِّفُهُمْ حُلُولَهَا وَ نُزُولَهَا بِسَاحَتِهِمْ مِنْ خَسْفٍ أَوْ قَذْفٍ أَوْ رَجْفٍ أَوْ رِيحٍ أَوْ زَلْزَلَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَصْنَافِ الْعَذَابِ الَّتِي هَلَكَتْ بِهَا الْأُمَمُ الْخَالِيَةُ وَ إِنَّ اللَّهَ عَلِمَ مِنْ نَبِيِّنَا ص وَ مِنَ الْحُجَجِ فِي الْأَرْضِ الصَّبْرَ عَلَى مَا لَمْ يُطِقْ مَنْ تَقَدَّمَهُمْ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ الصَّبْرَ عَلَى مِثْلِهِ فَبَعَثَهُ اللَّهُ بِالتَّعْرِيضِ لَا بِالتَّصْرِيحِ وَ أَثْبَتَ حُجَةَ اللَّهِ تَعْرِيضاً لَا تَصْرِيحاً بِقَوْلِهِ فِي وَصِيِّهِ مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَهَذَا مَوْلَاهُ- وَ هُوَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي وَ لَيْسَ مِنْ خَلِيقَةِ النَّبِيِّ وَ لَا مِنَ النُّبُوَّةِ أَنْ يَقُولَ قَوْلًا لَا مَعْنَى لَهُ فَلَزِمَ الْأُمَّةَ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَتِ النُّبُوَّةُ وَ الْأُخُوَّةُ مَوْجُودَتَيْنِ فِي خِلْقَةِ هَارُونَ وَ مَعْدُومَتَيْنِ فِيمَنْ جَعَلَهُ النَّبِيُّ ص بِمَنْزِلَتِهِ أَنَّهُ قَدِ اسْتَخْلَفَهُ عَلَى أُمَّتِهِ كَمَا اسْتَخْلَفَ مُوسَى هَارُونَ حَيْثُ قَالَ لَهُ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَ لَوْ قَالَ لَهُمْ لَا تُقَلِّدُوا الْإِمَامَةَ إِلَّا فُلَاناً بِعَيْنِهِ وَ إِلَّا نَزَلَ بِكُمُ الْعَذَابُ لَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ وَ زَالَ بَابُ الْإِنْظَارِ وَ الْإِمْهَالِ وَ بِمَا أَمَرَ بِسَدِّ بَابِ الْجَمِيعِ وَ تَرْكِ بَابِهِ ثُمَّ قَالَ مَا سَدَدْتُ وَ لَا تَرَكْتُ وَ لَكِنِّي أُمِرْتُ فَأَطَعْتُ فَقَالُوا سَدَدْتَ بَابَنَا وَ تَرَكْتَ لِأَحْدَثِنَا سِنّاً فَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ مِنْ حَدَاثَةِ سِنِّهِ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَسْتَصْغِرْ يُوشَعَ بْنَ نُونٍ حَيْثُ أَمَرَ مُوسَى أَنْ يَعْهَدَ بِالْوَصِيَّةِ إِلَيْهِ وَ هُوَ فِي سِنِّ ابْنِ سَبْعِ سِنِينَ وَ لَا اسْتَصْغَرَ يَحْيَى وَ عِيسَى لَمَّا اسْتَوْدَعَهُمَا عَزَائِمَهُ وَ بَرَاهِينَ حِكْمَتِهِ وَ إِنَّمَا جَعَلَ ذَلِكَ جَلَّ ذِكْرُهُ لِعِلْمِهِ بِعَاقِبَةِ الْأُمُورِ- وَ أَنَّ وَصِيَّهُ لَا يَرْجِعُ بَعْدَهُ ضَالًّا وَ لَا كَافِراً وَ بِأَنْ عَمَدَ النَّبِيُّ ص إِلَى سُورَةِ بَرَاءَةَ فَدَفَعَهَا إِلَى مَنْ عَلِمَ أَنَّ الْأُمَّةَ تُؤْثِرُهُ عَلَى وَصِيِّهِ وَ أَمَرَهُ بِقِرَاءَتِهَا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ فَلَمَّا وَلَّى مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ أَتْبَعَهُ بِوَصِيِّهِ وَ أَمَرَهُ بِارْتِجَاعِهَا مِنْهُ وَ النُّفُوذِ إِلَى مَكَّةَ لِيَقْرَأَهَا