أَنِ انْتَكَثَ عَلَيْهِ فَتْلُهُ وَ كَبَتْ بِهِ بِطْنَتُهُ وَ أَجْهَزَ عَلَيْهِ عَمَلَهُ[1] فَمَا رَاعَنِي إِلَّا وَ النَّاسُ رَسَلٌ إِلَيَّ كَعُرْفِ الضَّبُعِ يَنْثَالُونَ عَلَيَّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ[2] حَتَّى لَقَدْ وُطِئَ الْحَسَنَانِ وَ شُقَّ عِطْفَايَ[3] مُجْتَمِعِينَ حَوْلِي كَرَبِيضَةِ الْغَنَمِ[4] فَلَمَّا نَهَضْتُ بِالْأَمْرِ نَكَثَتْ طَائِفَةٌ وَ مَرَقَتْ أُخْرَى وَ فَسَقَ آخَرُونَ[5] كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَ تَعَالَى يَقُولُ- تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ[6]- بَلَى وَ اللَّهِ لَقَدْ سَمِعُوهَا وَ وَعَوْهَا وَ لَكِنْ حُلِّيَتِ الدُّنْيَا فِي أَعْيُنِهِمْ وَ رَاقَهُمْ زِبْرِجُهَا[7] أَمَا وَ الَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ لَوْ لَا حُضُورُ الْحَاضِرِ وَ قِيَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ وَ مَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَى أَوْلِيَاءِ الْأَمْرِ أَنْ لَا يَقِرُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِمٍ وَ لَا سَغَبِ مَظْلُومٍ[8] لَأَلْقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا وَ لَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِهَا وَ لَأَلْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ عِنْدِي أَهْوَنَ مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ- قَالَ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ السَّوَادِ فَنَاوَلَهُ كِتَاباً فَقَطَعَ كَلَامَهُ فَأَقْبَلَ يَنْظُرْ إِلَيْهِ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قُلْتُ لَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوِ اطَّرَدَتْ مَقَالَتُكَ مِنْ حَيْثُ أَفْضَيْتَهَا قَالَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ تِلْكَ شِقْشِقَةٌ هَدَرَتْ ثُمَّ قَرَّتْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَمَا أَسِفْتُ عَلَى شَيْءٍ وَ لَا تَفَجَّعْتُ كَتَفَجُّعِي عَلَى مَا فَاتَنِي مِنْ كَلَامِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ع.
و أمثال هذه الأخبار من كلام أمير المؤمنين ع كثيرة أوردنا طرفا منها للإيجاز و الاختصار وَ مِمَّا يُوضِحُ مَا أَثْبَتْنَاهُ مَا
رُوِيَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجَةِ رَسُولِ اللَّهِ ص أَنَّهَا قَالَتْ كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ تِسْعَ نِسْوَةٍ وَ كَانَتْ لَيْلَتِي وَ يَوْمِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص فَأَتَيْتُ الْبَابَ فَقُلْتُ أَدْخُلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ص؟ فَقَالَ لَا-
[1] انتكث: انتقض. و الفتل: برم الحبل. و كبا الفرس: أسقط لوجهه.
و البطنة: شدة الامتلاء من الطعام. و اجهز- على المريض-: قتله و اسرع.
و العرف: الشعر النابت في محدب رقبة الفرس.
[2] الروع: الخلد و الذهن راعني: أفزعني، و العرف: الشعر النابت في محدب رقبة الفرس. و امثال- الشيء-: إذا وقع يتلو بعضه بعضا.
[3] العطاف: الرداء، و عطفا الرجل: جانباه من لدن رأسه الى وركيه. أي شق قميصه من جانبيه من شدة الازدحام عليه.
[4] ربيضة الغنم: المجتمعة برعاتها.
[5] مروق السهم: خروجه من الرمية.
المراد بالناكثين للبيعة هم: طلحة و الزبير و أصحابهم بايعوا ثمّ نكثوا البيعة. و المارقين هم: الخوارج، و الفاسقين هم:
القاسطون و أصحاب معاوية.
[6] القصص: 83.
[7] الزبرج- بكسر الزاء و الراء-: الزينة.
[8] الكظّة: البطنة، ما يعتري الإنسان بعد الامتلاء من الطعام. و السغب: الجوع.