ما أمركم به (لا تُخْرِجُوهُنَّ
مِنْ بُيُوتِهِنَ) من مساكنهنّ الّتي يسكنّها وقت الطلاق حتّى تنقضي
عدّتهنّ. والمراد بيوت الأزواج. وأضيف إليهنّ لاختصاصها بهنّ من حيث السكنى.
والمعنى : لا تخرجوهنّ منها غضبا عليهنّ ، وكراهة لمساكنتهنّ ، أو لحاجة لكم إلى
المساكن.
(وَلا يَخْرُجْنَ) باستبدادهنّ وإن لم تخرجوهنّ. أمّا لو اتّفقا على
الانتقال جاز ، إذ الحقّ لا يعدوهما. وفي الجمع بين النهيين دلالة على استحقاقها
السكنى ، ولزومها ملازمة مسكن الفراق.
وقوله : (إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ
مُبَيِّنَةٍ) مستثنى من الأوّل. والمعنى : إلّا أن يبذون [١] على أهل الأزواج ، في أذيّتهنّ أهلهم وشتمهنّ إيّاهم ،
فإنّه كالنشوز ، فيسقط حقّهنّ بذلك. أو إلّا أن يزنين ، فيخرجن لإقامة الحدّ
عليهنّ. أو من الثاني ، للمبالغة في النهي ، والدلالة على أنّ نفس خروجهنّ فاحشة.
والأحكام المذكورة في عدّة الطلاق الرجعي ، بخلاف البائن ، فإنّه يجوز خروجها وإخراجها.
ثمّ إنّه تعالى
بيّن أنّ تلك الأحكام المذكورة أمور محدودة مقدّرة واجبة الوقوع ، وأنّ مع
مخالفتها يستحقّ الذمّ والعقاب ، فقال :
(وَتِلْكَ) إشارة إلى الأحكام المذكورة (حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ
اللهِ) بأنّ يطلّق على غير ما أمر الله به (فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) بأن عرّضها للعقاب (لا تَدْرِي) أي : النفس ، أو أنت أيّها النبيّ ، أو أيّها المطلّق (لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ) بعد الطلاق (أَمْراً) وهو أن يقلّب قلبه من بغضها إلى محبّتها ، ومن الرغبة
عنها إلى الرغبة فيها ، ومن عزيمة الطلاق إلى الندم عليه ، فيراجعها. وهو كالتعليل
لعدم الإخراج والخروج من البيوت. فالجملة المترجّية متعلّقة بالأمر بالتطليقة
المذكورة وإحصاء العدّة. والمعنى : فطلّقوهنّ لعدّتهنّ ، وأحصوا العدّة ، لعلّكم
ترغبون
[١] البذاءة : الفحش
والكلام القبيح. تقول : بذا على القوم يبذو.