واغتابهم وركن إلى الدنيا ، بيّن في هذه السورة ما فعله بأصحاب الفيل من
عذاب الاستئصال ، فقال :
(بِسْمِ اللهِ
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ) الخطاب للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم. وهو وإن لم يشهد تلك الواقعة لكن شاهد آثارها ، وسمع
بالتواتر أخبارها ، فكأنّه رآها. وإنّما قال : «كيف» ولم يقل : «ما» لأنّ المراد
تذكير ما فيها من وجوه الدلالة على كمال علم الله وقدرته ، وعزّة نبيّه ، وشرف
رسوله ، فإنّها من الإرهاصات [١] ، إذ روي عن أكثر العلماء أنّها وقعت في السنة الّتي
ولد فيها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. وعن عائشة : رأيت قائد الفيل وسائسه بمكّة أعميين
مقعدين يستطعمان.
وقصّتها : أنّ
ملك اليمن قصد هدم الكعبة ، وهو أبرهة بن الصباح الأشرم.
وقيل : كنيته
أبو يكسوم. قال الواقدي : هو صاحب أصحمة النجاشي ، جدّ النجاشي الّذي كان على عهد رسول
الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
قال محمّد بن
إسحاق بن يسار : أقبل تبّع [٢] حتّى نزل على المدينة ، فنزل بوادي قبا ، فحفر بها بئرا
تدعى اليوم بئر الملك. قال : وبالمدينة إذ ذاك يهود والأوس والخزرج ، فقاتلوه ،
وجعلوا يقاتلونه بالنهار فإذا أمسى أرسلوا إليه بالضيافة. فاستحيا وأراد صلحهم ،
فخرج إليه رجل من الأوس يقال له : أحيحة بن الجلاح ، وخرج إليه من اليهود بنيامين
القرظي.
فقال له احيحة
: أيّها الملك نحن قومك.
وقال بنيامين :
هذه بلدة لا تقدر على أن تدخلها ولو جهدت.
قال : ولم؟
قال : لأنّها
منزل نبيّ من الأنبياء يبعثه الله من قريش.
[١] أي : من
المبشّرات والمنبئات بمجيء النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم.