ثمّ استأنف
كلاما لبيان التجارة ، كأنّهم قالوا : كيف نعمل؟ فقال : (تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ
وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) يعني : التجارة المنجية من عذاب أليم هو الجمع بين
الإيمان والجهاد المؤدّي إلى كمال عزّهم. والمراد به الأمر ، وإنّما جيء بلفظ
الخبر للإيذان بوجوب الامتثال ، فكأنّه امتثل ، فهو يخبر عن إيمان وجهاد موجودين.
ونظيره قول الداعي : غفر الله لك ، ويغفر الله لك. جعلت المغفرة لقوّة الرجاء ، كأنّها
كانت ووجدت. وأيضا إيراد الأمر على صورة الخبر تلطّف في الاستدعاء إلى الإخلاص في
الطاعة ، فإنّ المعنى : هل ترغبون في تجارة منجية من العذاب؟
عن ابن عبّاس :
أنّهم قالوا : لو نعلم أحبّ الأعمال إلى الله لعملناه. فنزلت هذه الآية ، فمكثوا
ما شاء الله يقولون : ليتنا نعلم ما هي؟ فدلّهم الله تعالى على التجارة المذكورة
بقوله : «تؤمنون». وهذا دليل على أنّ «تؤمنون» كلام مستأنف ، وعلى أنّ الأمر
الوارد على النفوس بعد تشوّف وتطلّع منها إليه ، أوقع فيها وأقرب من قبولها له
ممّا فوجئت به.
(ذلِكُمْ) أي : ما ذكر من الإيمان والجهاد (خَيْرٌ لَكُمْ) من أموالكم وأنفسكم (إِنْ كُنْتُمْ
تَعْلَمُونَ) إن كنتم من أهل العلم ، إذ الجاهل لا يعتدّ بفعله. أو
إن كنتم تعلمون أنّه خير لكم كان خيرا لكم حينئذ ، لأنّه إذا علمتم ذلك واعتقدتموه
أحببتم الإيمان والجهاد فوق ما تحبّون أنفسكم وأموالكم.
(يَغْفِرْ لَكُمْ
ذُنُوبَكُمْ) جواب للأمر المدلول عليه بلفظ الخبر ، أو لشرط أو
استفهام دلّ عليه الكلام ، تقديره : إن تؤمنوا وتجاهدوا ، أو هل تقبلون أن أدلّكم
يغفر لكم؟ ويبعد جعله جوابا لـ «هل أدلّكم» كما قال الفرّاء ، لأنّ مجرّد الدلالة
لا توجب المغفرة. (وَيُدْخِلْكُمْ
جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً) مستطابة مستلذّة (فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ) جنّات إقامة لا تبغون عنها حولا (ذلِكَ) أي : ما ذكر من