(كَلَّا) ردع للمعتدي الأثيم عن هذا القول. ثمّ بيّن ما أدّى بهم
إلى هذا القول ، فقال : (بَلْ رانَ) من الرين ، وهو ركوب الصدأ على شيء. وقرأ حفص : بل ران
، بإظهار اللام. والإدغام أجود. والمعنى : بل ركب وغلب كما يركب الصدأ (عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) أي : حبّ ما كانوا يعملون من المعاصي والانهماك فيها ،
فعمي عليهم معرفة الحقّ والباطل ، فإنّ كثرة الأفعال سبب لحصول الملكات ، فإذا كان
العبد يصرّ على الكبائر ، ويسوّف التوبة حتّى يطبع على قلبه ، فلا يقبل الخير ولا
يميل إليه ، كما قال عليهالسلام : «إنّ العبد كلّما أذنب ذنبا حصل في قلبه نكتة سوداء
حتّى يسودّ قلبه».
وعن الحسن :
الذنب بعد الذنب حتّى يسودّ القلب.
وعن عبد الله
بن مسعود قال : إنّ الرجل ليذنب الذنب فتنكت على قلبه نكتة سوداء ، ثمّ يذنب الذنب
فتنكت نكتة اخرى ، حتّى يصير قلبه على لون الشاة السوداء.
وروى العيّاشي
بإسناده عن زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام قال : «ما من عبد مؤمن إلّا وفي قلبه نكتة بيضاء ، فإذا
أذنب ذنبا خرج في تلك النكتة نكتة سوداء ، فإذا تاب ذهب ذلك السواد ، وإن تمادى في
الذنوب زاد ذلك السواد حتّى يغطّي البياض ، فإذا غطّى البياض لم يرجع إلى الخير
أبدا ، وهو قوله تعالى : «بَلْ رانَ عَلى
قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ».
(كَلَّا) ردع عن كسب العمل الرائن على قلوبهم (إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ
لَمَحْجُوبُونَ) تمثيل للاستخفاف بهم وإهانتهم ، لأنّه لا يؤذن على
الملوك إلّا للوجهاء المكرّمين لديهم ، ولا يحجب عنهم إلّا الأدنياء المهانون
عندهم. وعن عليّ عليهالسلام : «محرومون عن ثوابه وكرامته». وعن ابن عبّاس وقتادة :
محجوبون عن