وأخفى ابن عامر
والكسائي ويعقوب النون إجراء للواو المنفصل مجرى المتّصل ، فإنّ النون الساكنة
تخفى مع حروف الفم إذا اتّصلت بها ، وقد روي ذلك عن نافع وعاصم.
(وَما يَسْطُرُونَ) وما يكتبون. والضمير للقلم بالمعنى الأوّل على التعظيم
، أو بالمعنى الثاني على إرادة الجنس. وإسناد الفعل إلى الآلة ، وإجراؤه مجرى أولي
العلم ، لإقامته مقامهم. أو لأصحابه المقدّر ، و «ما» موصولة أو مصدريّة ، كأنّه
قيل : وأصحاب القلم ومسطوراتهم ، أو وسطرهم. أو للملائكة الحفظة ، أي : وما تكتبه
الملائكة ممّا يوحى إليهم ، وما يكتبونه من أعمال بني آدم.
وجواب القسم
قوله : (ما أَنْتَ) مبتدأ (بِنِعْمَةِ رَبِّكَ) حال ، والعامل فيها معنى النفي (بِمَجْنُونٍ) خبر المبتدأ. وحقيقة المعنى : انتفى عنك الجنون منعّما
عليك بالنبوّة وحصافة [١] الرأي. ونظير ذلك : ما أنت بمجنون بحمد الله.
وقيل : عامل
الحال «مجنون» ، والباء لا تمنع عمله فيما قبله ، لأنّها مزيدة.
وفيه نظر من
حيث المعنى ، لأنّه يقيّد نفي الجنون ، والمقصود نفيه مطلقا.
والمراد
استبعاد ما كان ينسبه إليه كفّار مكّة من الجنون عداوة وحسدا ، وأنّه من إنعام
الله عليه بحصافة العقل والشهامة الّتي يقتضيها التأهيل للنبوّة بمعزل عنه.
(وَإِنَّ لَكَ
لَأَجْراً) على احتمال أعباء رسالتك وغصص تبليغك (غَيْرَ مَمْنُونٍ) مقطوع ، كقوله : (عَطاءً غَيْرَ
مَجْذُوذٍ)[٢]. أو غير ممنون به عليك ، لأنّه ثواب تستوجبه على عملك ،
وليس بتفضّل ابتداء ، وإنّما تمنّ الفواضل لا الأجور على الأعمال. وقال ابن عبّاس
: ليس من نبيّ إلّا وله مثل أجر من آمن به ودخل في دينه.