ثمّ ثبّت سبب
الدخول بقولها : (لا يَحْطِمَنَّكُمْ) لا يكسرنّكم (سُلَيْمانُ
وَجُنُودُهُ) ظاهره نهي لهم عن الحطم ، والمراد نهيها عن التوقّف
بحيث يحطمونها ، كقولهم : لا أرينّك هاهنا. فهو استئناف مبيّن للأمر ، أو بدل منه
لا جواب له ، فإنّ النون لا تدخله في السعة. (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) بأنّهم يحطمونكم ، إذ لو شعروا لم يفعلوا. وقيل :
استئناف ، أي : فهم سليمان والقوم لا يشعرون.
وقال في المجمع
: «وهذا يدلّ على أنّ سليمان وجنوده كانوا ركبانا ومشاة على الأرض ، ولم تحملهم
الريح ، لأنّ الريح لو حملتهم بين السماء والأرض ، لما خافت النمل أن يطأها بأرجلهم.
ولعلّ هذه القصّة كانت قبل تسخير الله الريح لسليمان عليهالسلام» [١].
وقال في
الكشّاف : «وروي أنّ النملة أحسّت بصوت الجنود ولا تعلم أنّهم في الهواء ، فأمر
سليمان الريح فوقفت بجنوده حتّى دخل النمل مساكنه» [٢]. انتهى كلامه.
إن قيل : كيف
عرفت النملة سليمان وجنوده حتّى قالت ما قالت؟
قلنا : إذا
كانت مأمورة بطاعته ، فلا بدّ أن يخلق لها من الفهم ما تعرف به أمور طاعته. ولا
يمتنع أن يكون لها من الفهم ما يستدرك به ذلك. وقد علمنا أنّه تشقّ ما تجمع من
الحبوب بنصفين ، مخافة أن يصيبها الندى فتنبت. وتكسر الكزبرة أربع قطع ، لعلمها
أنّ الكزبرة إذا شقّت بنصفين تنبت. فمن هداها إلى هذا فإنّه يهديها إلى تمييز ما
يحطمها ممّا لا يحطمها.
وروي : أنّ
الريح ألقت في سمع سليمان هذه المقالة من ثلاثة أميال.