(وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى
الْقُرْآنَ) لتؤتاه (مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ
عَلِيمٍ) أي : من عند أيّ حكيم وأيّ عليم. وهذا معنى مجيئهما
نكرتين. والجمع بينهما ـ مع أنّ العلم داخل في الحكمة ـ لعموم العلم ، ودلالة
الحكمة على إتقان الفعل ، والإشعار بأنّ علوم القرآن منها ما هي حكمة ، كالعقائد
والشرائع ، ومنها ما ليس كذلك ، كالقصص والإخبار عن المغيّبات.
وهذه الآية
بساط وتمهيد لما يريد أن يسوق بعدها من أقاصيص الأنبياء ، وما في ذلك من لطائف
حكمته ودقائق علمه. ومن ذلك قصّة موسى ، فإنّ فيها من الحكم العجيبة واللطائف
الغريبة مزيّة فضل بالنسبة إلى أقاصيص اخرى ، ولهذا قدّمها فقال : (إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ
ناراً) منصوب بمضمر ، وهو : اذكر. كأنّه قال على أثر ذلك : خذ
من آثار حكمته وعلمه ، واذكر قصّة موسى حين قال لأهله : إنّي أبصرت ورأيت نارا.
ومنه اشتقاق الإنس ، لأنّهم مرئيّون. وقيل : آنست أي : أحسست بالشيء من جهة يؤنس
بها ، وما أنست به فقد أحسست به مع سكون نفسك إليه. ويجوز أن ينصب بـ «عليم».
وروي : أنّه لم
يكن مع موسى عليهالسلام غير امرأته ، وقد كنّى الله عنها بالأهل ، فتبع ذلك
ورود الخطاب على لفظ الجمع ، لأنّها قائمة مقام جماعة في الأنس بها والسكون إليها
في الأمكنة الموحشة ، فقال : (سَآتِيكُمْ مِنْها
بِخَبَرٍ) أي : ما يخبر به عن حال الطريق ، لأنّه كان قد ضلّه.
وذكر السين
للدلالة على بعد المسافة ، والوعد بالإتيان وإن أبطأ. (أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ