تركتم عبادته ، أو أشركتم به غيره ، أو أمنتم من عذابه. وقيل : معناه : ما
تظنّون بربّكم أنّه على أيّ صفة ومن أيّ جنس من أجناس الأشياء حين شبّهتم به هذه
الأصنام. وفيه إشارة إلى أنّه لا يشبه شيئا. والمراد إنكار ما يوجب ظنّا ـ فضلا عن
قطع ـ يصدّ عن عبادته ، أو يجوّز الإشراك به ، أو يقتضي الأمن من عقابه ، على
طريقة الإلزام. وهو كالحجّة على ما قبله.
(فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي
النُّجُومِ) في مواقعها واتّصالها ، أو في علمها ، أو في كتابها ،
كنظرهم ، لأنّهم كانوا يتعاطون علم النجوم ، فأوهمهم أنّه استدلّ بأمارة في علم
النجوم على أنّه سيسقم ، لئلّا يخرجوه إلى معيّدهم حين سألوه أن يعيّد معهم (فَقالَ) عند ذلك (إِنِّي سَقِيمٌ) أي : مشارف للسقم. فتركوه ظنّا منهم أنّ نجمه يدلّ على
سقمه.
وقيل : أراد
أنّه عليهالسلام نظر في النجوم ، فاستدلّ بها على وقت حمّى الغبّ [١] كانت تعتاده ،
فقال : إنّي سقيم. أراد أنّه قد حضر وقت علّته وزمان نوبتها. كأنّه قال : إنّي
سأسقم لا محالة ، وحان الوقت الّذي تعتريني فيه الحمّى. وقد يسمّى المشارف للشيء
باسم الداخل فيه ، قال سبحانه : (إِنَّكَ مَيِّتٌ
وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ)[٢]. ولم يكن نظره حقيقة في النجوم على حسب ما ينظره
المنجّمون طلبا للأحكام.
ويجوز أنّ الله
أعلمه بالوحي أنّه سيسقمه في وقت مستقبل ، وجعل العلامة على ذلك طلوع نجم على وجه
مخصوص ، أو اتّصاله بآخر على وجه مخصوص ، فلمّا راى إبراهيم تلك الأمارة قال : «إنّي
سقيم» تصديقا بما أخبره الله تعالى. أو أراد : أنّي سقيم القلب لكفركم ، أو خارج
المزاج عن المزاج المعتدل خروجا قلّ من يخلو منه.