وإنّما أضاف
ذلك إلى نفسه ، لأنّ عند تلاوة القرآن عليهم ، ودعوته إيّاهم ، صاروا بهذه الصفة ،
فكأنّه سبحانه فاعل ذلك. أو لأنّ ذلك عبارة عن خذلان الله إيّاهم لمّا كفروا
عنادا. فكأنّه قال : تركناهم مخذولين ، فصاروا مثل من جعلنا في عنقه غلّا ، ومن
بين يديه سدّا ، وخلفه سدّا ، وأغشينا بصره ، فلا يقدر أن ينظر إلى الأرض ويبصر
شيئا.
وقيل : الآيتان
في بني مخزوم. وذلك أنّ أبا جهل حلف إن رأى محمدا يصلّي ليرضخنّ [١] رأسه. فأتاه
وهو يصلّي ، ومعه حجر ليدمغه ، فلمّا رفع يده انثنت ولويت يده إلى عنقه ، ولزق
الحجر بيده ، حتّى فكّوه عنها بجهد. فرجع إلى قومه فأخبرهم. فقال مخزوميّ : أنا
أقتله بهذا الحجر. فذهب فأعماه الله. فجعل يسمع صوته ولا يراه. فرجع إلى أصحابه
فلم يرهم ، حتّى نادوه ما صنعت؟ فقال : ما رأيته ، ولقد سمعت صوته ، وحال بيني
وبينه كهيئة الفعل يخطر بذنبه ، ولو دنوت منه لأكلني.
وروى أبو حمزة
الثمالي ، عن عمّار بن عاصم ، عن شقيق بن سلمة ، عن عبد الله بن مسعود : أنّ قريشا
اجتمعوا بباب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فخرج إليهم ، فطرح التراب على رؤوسهم وهم لا يبصرونه.
قال عبد الله : هم الّذين سحبوا في قليب بدر.
وروى أبو حمزة
عن مجاهد ، عن ابن عبّاس : أنّ قريشا اجتمعوا فقالوا : لئن دخل محمد لنقومنّ إليه.
فدخل النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فجعل الله من بين أيديهم سدّا ، ومن خلفهم سدّا ، فلم
يبصروه. فصلّى النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم ثمّ أتاهم ، فجعل ينثر على رؤوسهم التراب وهم لا يرونه
، فلمّا خلّى عنهم رأوا التراب ، وقالوا : هذا ما سحركم ابن أبي كبشة.